ينومون الصبيان، ويسقون الدواب بالصفير، وتصر آذانها اذا غنى المكارى، وتزيد الابل فى مشيها ونشاطها إذا حدا بها الحادى، ويستخرج به الحية من جحرها، فيظن العامة ان ذلك انما يكون بالرقى، وليس كذلك، ولكن للصوت فى طباعها تأثير، والرعد الشديد إذا وافق سباحة السمكة فى أعلى الماء رمت بيضها، والحمامة ربما رمت بيضها قبل الأجل، وتسمع الرعد فيتعضل «1» عليها أياما بعد طول الأجل، واذا قلت الرعود فى السنة قلت الكمأة «2» فيها، وأهل البطائح يبنون حظيرة فى الماء، ويصيحون حولها فيجتمع السمك إليها حتى تمتلىء، وأهل الصناعات اذا خافوا الملال ترنموا، وينشط الرهبان أنفسهم بألحان يمجدون الله بها، ويستريحون من التعب والسهر إليها، وللنفس قوى شريفة من الحلم والجود والشجاعة تتحرك بالنغمات، ومن الأصوات ما يشجع ويغرى مثل أصوات الدبادب والبوقات «3» ولذلك اتخذت فى الحروب، وقالوا: اذا سمعت الابل ضربا وزمرا أقبلت وطأطأت رؤوسها حتى كادت تنام، وعندهم ان المريض اذا سمع أصوات المزاهر خف ما به، ويستبدل الطفل اذا سمعها ضحكا ببكائه، ويزعمون ان الغناء يفتح أبواب الرأى، ويسدد الفكر، وكان الاسكندر اذا التبس عليه أمر أمر بالغناء، واذا توجه له الرأى قطعه، وكانت ملوك العجم اذا نابتها نائبة لجأوا الى اللهو والغناء، ويستفتحون به وجوه الرأى، ولما بلغ أنو شروان أن خاقان غلب على أرمينية ونهب وسلب استقبله بالملاهى والزمر، فظن خاقان ان ذلك استصغارا له ففر منهزما، ونبذ ما كان أفاده، فقالت الاعاجم: ان الملك الموكل بالفرح هو الذى فله «4» ودفعه، وكانوا يتيمنون «5» بعد ذلك بالغناء والملاهى.