نزل به دعاه الى المبارزة فطمع أرياط فيه،- وكان أقوى منه- وكمن له أبرهة عبدا من عبيده، فلما بادره أرياط وثب العبد فطعنه فقتله، وصفت اليمن لابرهة، وحكم العبد فقال: أريد الا تدخل امرأة على زوجها حتى ابتدىء بها، فقال: لك ذلك، ففعل بذلك زمانا حتى ثارت به أهل اليمن فقتلوه، فقال لهم أبرهة: قد آن لكم ان تكونوا أحرارا، فلما عرف النجاشى عصيان أبرهة حلف على وطء بلاده وجز ناصيته واراقة دمه، فحلق أبرهة شعره وأخذ جزءا من دمه وبعضا من تراب بلده، وكتب الى النجاشى: انما انا عبدك وقد بلغت عنى الكذب، وقد جززت ناصيتي وبعثت بها اليك وبدمى لتريقه وتراب أرضى لتطأه فتبر بيمينك فأعجبه ذلك وأمسك عن الاساءة اليه، فاستجمع ملك اليمن لا برهة.
وبنى كنيسة صنعاء على علوة من غمدان، فاشتغل ببنائها عشر سنين، فلما أتمها رأى الناس شيئا لم يروا مثله قط، وأراد صرف حجاج العرب اليها، حتى دخلها نفر من بنى كنانة من قريش وأحدثوا بها، فغضب أبرهة وعزم على غزو مكة وهدم الكعبة، فخرج بجيش كثيف وتبعه الفساق من خثعم عليهم نفيل بن حبيب وبنو أمه من بنى الحرث بن كعب، فسار حتى نزل الطائف، وفيها بيت يعبد فعزم على هدمه، فقال له مسعود بن معتب: ان رأيت أن تمضى لقصدك، فاذا رجعت رأيت فينا رأيك، فخرج نحو مكة، فلما شارفها أخذ أموال قريش فاستاقها وهم بالمسير، فخرج اليه أبو طالب «1» - وكان له ولأهله فيها ابل- فقال: خل عنها، فلها من لو أراد منعها، فأمر له بإبله، وخرج حتى قام بفناء البيت يدعو الله تعالى ويقول:
لا همّ إنّ المرء يمنع رحله ... فامنع حلالك «2»