طعامه فقال: قد أكلت، فعدل به الربيع فضربه ثلاثين مقرعة، فعاتبه المنصور فقال: ان هذا كان يقف فى النظارة فاستدناه أمير المؤمنين، حتى دعاه الى طعامه، فظن أن ذلك يراد به الشبع، وأغفل ما فيه من التشريف، فأدبته على سوء تمييزه، فشكر له المنصور وأجازه.
ومن يدنه الملك لمنادمته ينبغ أن ينادمه على حسب عادة الملك فى ذم نفسه، وارسالها عند الشرب، «1» ولا يسأله حاجة اذا سكر، فان ذلك يجرى مجرى الخداع، واذا أراد أن يقوم لحاجة فينبغى أن يلاحظ الملك، فان نظر اليه قام مائلا، فان نظر اليه مضى. وان عاد وقف أبدا، حتى اذا نظر إليه قعد مقعيا أو جاثيا، فإذا نظر إليه تمكن، وليس له ان يختار كمية الشرب وكيفيته، وعلى الملك أن يأمر بالكف عنه اذا بلغ الكفاية، ولا يكلفه فوق وسعه، فإن من يجاوز حد العدل على الخاصة، لم تطمع العامة فى انصافه، واذا كان من اسم الداخل على الملك بعض صفات الملك، فسأله الملك عن اسمه، فينبغى ان يكنى عنه، ويصف الملك بتلك الصفة، ... دخل سعيد بن مرة الكندى على معاوية فقال له: أنت سعيد؟ قال: أمير المؤمنين السعيد، وأنا ابن مرة، وقيل للعباس بن عبد المطلب: أنت أكبر أم رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-؟ فقال:
رسول الله أكبر منى، وأنا أسن منه.
واذا حدثه الملك بحديث فينبغى أن يصرف فكره وذهنه نحوه، ويظهر السرور بالفائدة منه، روى أن بعضهم ساير أنوشروان، فقال له أنو شروان:
حدثنى حديث كذا، وكان يعرفه، فأنكر معرفته، وأخذ أنو شروان يحدثه الحديث، وأصغى اليه بجوارحه كلها، وكان سيرهما على شاطىء نهر فأغفل الرجل النظر الى مواطىء دابته، فمالت به الى النهر، فابتدره الحاشية وأخرجوه