من ذلك ما حكاه ابن عبد ربه في الجزء الأول في كتابه المعروف (العقد الفريد) من كلام عمر بن الخطاب لمعاوية، رضي لله عنهما، حين قدم عمر على معاوية بالشام. إذ قال معاوية: "فإن أمرتني بذلك أقمت عليه، وأن نهيتني عنه انتهيت"، ولا شيء في ذلك.
لكن عمر قد أجابه: "لئن كان الذي تقول حقاً فإنه أريب، وأن كان باطلاً فإنه خدعة أريب". فقوله (فإنه أريب) جواب للشرط مع تقدم القسم.
وفي نهج البلاغة (1/ 188) قال علي كرم الله وجهه: "لئن أُمهل الظالم فلن يفوت أخذُه"، فجاء الجواب للشرط دون القسم. ذلك أن جواب القسم في جملة فعلية منفية فعلها مضارع، كما هو الحال في القول السابق، يتقدم الفعلَ فيها أحد أحرف النفي (ما وأن ولا) ويندر أن يتقدمه (لن أو لم) ، ولا تدخل الفاء هذه الأحرف في جواب القسم خلافاً للشرط.
وجاء في نهج البلاغة أيضاً قول علي كرم الله وجهه (2/ 105) : "ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامة الناس، فما إلى ذلك سبيل"، فجاء الجواب للشرط أيضاً، ذلك أن جواب القسم في جملة اسمية منفية تتصدره أحرف النفي (ما أو لا النافية للجنس أو إن) ولا تدخل الفاء هذه الأحرف.
ما الرأي في جواز كون الجواب للشرط مع تقدم القسم:
أقول الرأي عندي أن اتفاق الجمهور على أن الأصل في الجواب أن يكون للمتقدم من الشرط أو القسم، إذاً جميعاً، لا يمنع إجازة مجيء الجواب للشرط مع تقدم القسم ما دام قد جاء ذلك مجيئاً متعالماً في شعر فحول الشعراء ونثر الأئمة البلغاء، مما أتينا بشواهده قبل. وهذا ما دعا بعض الأئمة إلى التصريح به كالإمام الفراء وابن مالك.
وقد أشار إلى ذلك الإمام السيوطي في كتابه (همع الهوامع –2 /43) ، إذ قال:
"فالجواب للسابق في الأصح قَسَماً كان أو شرطاً وجواب الآخر محذوف، نحو: والله إن قام زيد لأقومنّ وأن يقم والله أقمْ" وأردف: "وجوَّز الفراء وابن مالك جعل الجواب للشرط وإن تأخر، كقوله:
أصمْ نهار القيظ للشمس بادياً