وقد ذهب ابن هشام إلى أن اللام في (لئن) زائدة وأن الشرط أجيب بالفعل المجزوم (أصمْ) ، إذ قال: "ولو كنت اللام للتوطئة لم يُجب إلا القسم، هذا هو الصحيح، وخالف في ذلك الفرّاء فزعم أن الشرط قد يجاب مع تقدم القسم عليه".
وإذا عدنا إلى الفحول من الشعراء وجدنا أنهم لم يستكرهوا مخالفة القياس أو يستبعدوه في هذا الباب، فجاء الجواب للشرط في أشعارهم، مع تقدم القسم عليه، فهذا الإمام الشافعي يقول في حديث عن أهل العلوم:
فلست مُضيعاً فيهمُ غرر الكلم
لعمري لئن ضُيِّعت في شر بلدة
والشافعي حجة فقد استظهر القرآن منذ صباه، وخرج إلى البادية فحفظ كثيراً من أشعار الهُذليين، وكانوا من أفصح العرب، وروي عن الإمام الشافعي الأصمعي أنه صحح عليه أشعار هؤلاء. وهذا المتنبي فقد جاء في مرثيته لجدته من أمه.
فقد ولدت مني لآنافهم رغماً
لئن لذَّ يوم الشامتين بيومها
فكان الجواب للشرط في قوله (فقد ولدت) مع تقدم القسم، وقد روي أيضاً (فقد ولدت مني لأنفهم رغماً) .
وهذا أبو الفراس الحمداني يقول في مفاخر قومه:
ففرعي لسيف الدولة القرم ناصر
لئن كان أصلي من (سعيد) نجاده
و (سعيد) هو ابن عم الشاعر، والقرم هو السيد والعظيم.
وقال أبو تمام يرثي محمد بن حميد الطوسي:
لعهدي به حياً يُحَبُّ به الدهر
لئن أُبغض الدهر الخؤون لفقده
فما زالت الأيام شيمتها الغدر
لئن غدرت في الروع أيامه به
فجواب (لئن) في البيت الثاني (فما زالت) وهو جواب للشرط مع تقدم القسم.
وعلى ذلك قول الشاعر:
على الخليط فقد يبكي الحسام دما
لئن بكيت دماً والعزم من شيمي
وقد أورده الأستاذ محمد الخضر حسين التونسي في كتابه (الخيال في شعر العربي) في صدد كلامه على (التفاصيل في التخييل /58) .
ما جاء من النثر خلافاً للقياس، فكان الجواب فيه للشرط مع تقدم القسم:
لم يقتصر مجيء الجواب للشرط مع تقدم القسم على الشعر، بل تناول النثر أيضاً.