فإذا كان هذا هو الذي أوحى إلى الأستاذ أن يقول ما قال، ويقيس على ما اعتل له بوجه من الوجوه، فليس كل ما أمكن الاعتلال له بجائز أن يقاس عليه. وإذا صح الأخذ بما اعتل به ابن جني في توجيه همز (المصائب) للقياس عليه، فقد جاز جمع (المخالة) ، على مخائل بالهمز أيضاً، وقد منعه الأستاذ نفسه فقال: (وأما اليائي فيطرد في جمعه تكسيراً، سلامة عينه سواء كانت قلبت في المفرد ألفاً كالمخالة إذا اعتلت بنقل الحركة عنها فقط كالمعيشة، أو لم يلحقها منه ذلك شيء كالمشيخة، ومن ثم يقال المخايل والمعايش والمشايخ بالياء في جميعها) . فما باله يفرق بين الواوي واليائي في هذا، فيجيز منائر قياساً ولا يجيز مخاتل؟ ... بل ماباله يفرق ولا يعتل للتفريق؟ ولا يخفى أن (المصائب) مما اطرد في الاستعمال، وشذ في القياس، وهو لو قلَّ في الاستعمال وصح في القياس لكان طرد المسألة عليه، مقبولاً غير مأبي، وإن كان ما كثر استعماله وقوي قياسه أولى منه وأحجى.
هذا و (المخالة) على مَفْعَلة بالفتح، مصدر (خال) ، وكذلك (المِخيلة) على مفعلة بالكسر، ومعناها (المظنة) ، ويجمعان على (مخايل) ، كما يجمع عليه (مُخيلة) اسم فاعل من أخال، و (مخيلة) بفتح الأول اسم المفعول، وقد أسميت بهما (السحابة) ، تحسبها مطارة. قال الجوهري: (وقد أخَلت السحابة وأخيلتُها إذا رأيتها مخيلة للمطر) . بضم الميم. وقال صاحب المصباح: (وأخال الشيء بالالف إذا التبس واشتبه، وأخالت السحابة إذا رأيتها وقد ظهرت فيها دلائل المطر فحسبتها ماطرة فهي مخيلة بالضم اسم فاعل، ومخيلة بالفتح اسم مفعول لأنها أحسبتك فحسبتها، وهذا كما يقال مرض مخيف بالضم اسم فاعل لأنه أخاف الناس، ومخوف بالفتح لأنهم خافوه) . وأردف (وعلى هذا يقال: رأيت مخيلة بالضم لأن القرينة أخالت أي أحسبت غيرها، ومخيلة بالفتح اسم مفعول لأنك ظننتها) . قال خُندج بن خندج:
متى أرى الصبح قد لاحت مخايله والليل قد مُزِّقت عنه السرابيل