وقد عقد الدكتور جعفر دك الباب في كتابه (الموجز في شرح دلائل الإعجاز، في علم المعاني) فصولاً فريدة في مذهب الإمام الجرجاني اللغوي، في ضوء علم اللغة الحديث، وأقام الموازنة بين مذهبه ومذاهب هذا العلم، فخلص من بحثه إلى أن من حق مذهب الجرجاني أن يظفر بالمكان اللائق به، في علم اللغة الحديث، لا لأن مذهبه هذا يكمل النظرية البنوية الوظيفية الحديثة، بل لأنه يعتمد إلى ذلك على مفهوم البنية العميقة والبنية الظاهرية للجملة، فهو يمثل بذلك اتجاهاً متطوراً في علم اللغة الحديث، وأكد أن مذهب الجرجاني يثبت صحة تمييز علماء النحو العربي نوعين للجملة العربية.
ولا يخفى أن البنوية في الأصل مذهب فكري يتحرى رؤية المجتمعات، والأعمال الفنية واللغة، والأدب، من خلال البنى التي تتألف منها هذه المركبات، والبنيه وحدة مستقلة قائمة على عناصر داخلية متساندة.
فالبنوية تتطلب في الأدب، مثلاً، تحليل النص إلى بناه، وتفكيك البنية إلى أجزائها المتنقلة وإعادة تركيب هذه الأجزاء، بحيث تعود منتظمة مترابطة، تختلف فيها الصورة باختلاف مواقع هذه الأجزاء بعضها من بعض.
وقد كان رائد هذا المذهب في القرن العشرين الفيلسوف الفرنسي رولان بارت، ومضى في تكوينه علماء كتشوفسكي ومينيه وسوسير وماير، وبدا بعد متكاملاً بفضل العالم الفيلسوف الفرنسي كلود ليفي اشتراوس.
أما علم اللغة الحديث، أو علم اللسان الحديث، فهو العلم الذي ينظر إلى اللسان أداة للإبلاغ وظاهرة فيزيائية ونفسية واجتماعية عامة الوجود.