والقسم الثاني: ألاَّ يكون القصد إلى الفاعل، على هذا المعنى، ولكن على أنك أردت أن تحقق على السامع أنه قد فعل وتمنعه من الشك، فأنت لذلك تبدأ بذكره وتوقعه أولاً، ومن قبل أن تذكر الفعل في نفسه، لكي تباعده بذلك من الشبهة وتمنعه من الإنكار، أو من أن يظن بك الغلط أو التزيّد. ومثاله قولك: هو يعطي الجزيل وهو يحب الثناء، لا تريد أن تزعم أنه ليس ها هنا من يُعطي الجزيل ويحب الثناء غيره..
ولكنك تريد أن تحقق على السامع أن إعطاء الجزيل وحب الثناء دأبه، وأن تمكِّن ذلك في نفسه.."، ومن شواهد الجرجاني على هذا القسم قول الشاعر:
شحيحان ما اسطاعا عليه كلاهما
هما يلبسان المجد أحسن لبسة
قال الجرجاني: "لا شبهة في أنه لم يرد أن يقصر هذه الصفة عليهما ولكن نبه لهما قبل الحديث عنهما"، وأردف: "وأبين من الجميع قوله تعالى: واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون –النحل /20، فليس المراد أنهم وحدهم هم الذين يُخلقون، كما في المعنى الأول، ولكن تأكيد أن الفعل ثابت لهم".