ولم يقبل ذلك منه وقالوا لا دليل له في البيت لجواز تقدير حيث خبراً وحمى اسماً. وجوز على هذا الوجه كون من الظلام بياناً لحيث المراد به نفس المكان والمراد بالظلام المكان المظلم وكونه في موضع الصفة لها أي المكان الموصوف بأنه بعض الظلام. أي بعض الأمكنة المظلمة. وهو كلام صادر عن قريحة مظلمة كما لا يخفى على ذي قريحة مضيئة. ومما يقتضي منه العجب ما قيل ضياء مبتدأ وحيث كانت خبره ومن الظلام صفة للمكان الذي يحضر فيه وحيث متعلق بضياء. وإذ متعلق بأمن هذا. ويروى إذ حيث كنت فقيل عليه ضياء مبتدأ خبره محذوف أي ضياء هناك والجملة خبر كان. وقيل كان تامة فلا تحتاج إلى خبر ومن الظلام في موضع الخبر لضياء ومن للبدل وحيث متعلق بضياء وهو أولى مما قبله) وخلاصة المعنى (أن الرقباء أمنوا زيارة هذه المحبوبة ليلاً لأن نورها ينم عليها لما أنها حيث كانت ضياء بدل الظلام أو لما أن ضاء بدل الظلام حيث كانت وحصلت. وهذا على ما قيل مأخوذ من قول علي بن جبلة:
بأبي من زارني مكتتماً ... حذراً من كل واشٍ فزعاً
طارق ثم عليه نوره ... كيف يخفي الليل بدراً طالعاً
ثم أن مجيء من للبدل مما ارتضاه جمهور علماء العربية نعم أنكره قوم وزعموا أن المفيد للبدلية في نحو قوله تعالى) أرضيتم بالحيوة الدنيا من الآخرة (وقوله سبحانه) جعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون (وقوله عز وجل) لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً (متعلقها المحذوف وقالوا هي في جميع ذلك للابتداء. ولما ذكرت لحضرة المولى قول أنها للبدل في البيت أعجبه في إيضاح المعنى بيد أنه توقف في ورودها لذلك حتى ذكرت بعض الشواهد له. فزال عنه التوقف فيه وقبله. وبعد أن طوى بساط التوجيه. قلنا في شعر المتنبي ما قالوا فيه. ثم ذكرت أبياتاً لغيره. تحكي من وجهٍ دقيق شعره. كقول المعري:
ورائي الإمام والأمام وراء ... إذا أنا لم يكبرني الكبراء