نام کتاب : تاج المفرق في تحلية علماء المشرق نویسنده : البلوي، خالد جلد : 1 صفحه : 136
قال ما قصرت ركبت الجادة، وما تحتاج بعد إلى دليل، انتهى. ولم نزل نثير لئالئ الفوائد ونسحب أذيال المقطوعات والقصائد، ونرد من ذلك أحلى المصادر وأعذب الموارد إلى أن أزفت النوى. وأثارت الجوي، ففرقتنا بعد تألف وأقصدتنا بسهم تحيف فبالغ في الإكرام واعتذر، وزود حتى لم يذر، وودعته الجوانح ملتهبة والدموع منسربة والشوق بقلوبنا لاعب، وغراب البين ببعد الأحبة ناعب وكم سربلتني النوى سقما، وأصارت في عقلي لمما، فلوان ما بي منها بجفن ما ألف هجوعا، أو بقلب لفاض نجيعا. ولكني خلقت جلدا بالحوادث حجرا صلدا:
يوم الفراق أقد خلقت طويلا ... لم تبق لي صبرا ولا معقولا
قالوا الرحيل فما شككت بأنها ... نفسي عن الدنيا تزيد رحيلا
ومما أنشدني لنفسه في تلك الأيام البادية الأتضاح السائلة الغرر والأوضاح قوله يخاطب السلطان الفاضل أبا عبد الله بن مولانا أمير المؤمنين عند قدومه حضرة تونس وقد وردت عليه عربه من رياح:
يا قادما وافي فعم خصبنا ... لا تنكر العرب التي جاءت إليك
لو لم تواف رحمة ما أرسلت ... فينا رياح نشرت بين يديك
وأنشدني قوله وقد دخل السلطان الأجل صاحب مدينة فاس أبو الحسن المذكور أولا مدينة تلمسان بعد أن حصرها مدة وهدمها بالمجانيق:
تلمسان كانت في البناء منيعة ... عليها من العدوان شر لباس
فلا غروان هدت لنا وتهدمت ... فقد جاءها للهدم صاحب فاس
وأنشدني قوله وهو بحضرة فاس:
أيا عجبا كيف تهوي الملوك ... محلي وموطن أهلي وناسي
وتحسدني وهي محسودة ... وما أنا إلا خديم بفاس
وأنشدني قوله:
لعمرك ما ثغر باسم ... ولكنه حبب لا عب
ولو لم يكن ريقه مسكرا ... لما دار من حوله الشارب
وأنشدني قوله مخاطبا بهما عند ورودي عليه بقسنطية المذكورة وقد لاح برق:
أنظر إلى البرق يجلو عنك أظلاما ... وشمه يا خير من البرق قد شاما
كأنه إذ قدمت أرتاح من فرح ... فظل يبدي إليك الثغر بساما
وأنشدني لنفسه وكتبها بخطه على ظاهر المبيضة من هذا الكتاب حين وقف عليه هنالك:
أن الإمام أبا البقاء لأوحد ... عجب يعز بمغرب ومشرق
لو لم تكن دررا لنا كلماته ... ما نظمت حليا بتاج المفرق
وأنشدني للشيخ الإمام العلامة الفاضل أبي العباس أحمد بن شعيب أحد كتاب السلطان أبي الحسن ملك المغرب:
يا رب ظبي شعاره النسك ... الحاظه في الورى لها فتك
يترك من هام فيه مكتئبا ... لا تعجبوا أن قومه الترك
أشكو له ما لقيت من حرق ... فينثني لاهيا إذا أشكو
وحين لم يقض من تعطفه ... أخذا ولا من صبابتي ترك
صبرت حتى أطل عارضه ... فكان صبري ختامه مسك
ثم خرجت منها صخوة يوم الخميس السادس لشوال من عام أربعين المذكورة في لمة من فتيان الوفاء، وفرقة من أخوان الصفاء ترسل أولى الخيل على أخراها وتعرض السوانح فيستحضرها أدجناها:
كان بزاتهم أمراء جيش ... على أكتافها صدأ الدروع
وما زلت أساير السبيل السالك حيث سار، وأخذ اليمين تارة وتارة اليسار، ومل ناحية تسفر لي عن روض أزهر، وعذار نبت أخضر، وتبسم عن ثغر حباب في نهر كالحباب، وترفل من الربيع في ملا بس سندسيات، وتهدي نوامج مسكيات، وتزهي من بهجتها بأحسن منظر وتتيه بجلباب أينع من برد الشباب وانظر إلى أن دخلت) بجاية (المحروسة في يوم الأحد السابع عشر لشوال المذكور، فنزلت بها في قصر من الديار، ودار من القصور، دار تخجل منها الدور، وتقاصر عنها القصور، وتقر لها بالقصور:
دار مشي الإتقان من تجنيدها ... حتى تناسب روضها وبناؤها
مرقومة الجنبات ذات قرارة ... يمتد قدام العيوم فضاؤها
ما زال يضحك دائما نوارها ... في وجه ساحته ويلعب ماؤها
نام کتاب : تاج المفرق في تحلية علماء المشرق نویسنده : البلوي، خالد جلد : 1 صفحه : 136