تنفرج، كيف انتفاعنا بالضحى والأصايل إذا لم يعد ذلك النسيم الأرج [1] ليس لنا إلا التسليم والرضا بما قضاه الخلاق العظيم.
وقال في رسالة أخرى في المعنى: وأجريت خبر الحادثة التي محقت بدر التمام، وذهبت بنضارة الأيام، فيا من حضر يوم البطشة، وعزي في أنسه بعد تلك الوحشة، أحقاً أنه دكت الأرض، ونزف المعين والبرض، وصوح روض المنى، وصرح الخطب وما كنى، أبن لي كيف فقدت رجاحة الأحلام، وعقدت مناحة الإسلام، وجاء الخطب العسر، وأوقدت نار الحزن فلا تزال تستعر:
حلم ما نرى بل ما رأى ذا حالم ... طوفان يقال عنده لا عاصم
من منصفنا من الزمان الظالم ... (2) الله بما يلقى الفؤاد عالم بالله أي نحو تنحو، ومسطور تثبت أو تمحو، وقد حذف الأصلي والزائد وذهبت الصلة والعائد، وباب التعجب طال، وحال البائس لا تخشى الانتقال [3] ، وذهبت علامة الرفع وفقدت سلامة الجمع، والمعتل أعدى الصحيح، والمثلث أردى الفصيح، وامتنعت العجمة من الصرف، وأمنت زيادتها [4] من الحذف. ومالت قواعد الملة، وصرنا إلى جمع القلة، فللشرك صيال وتخمط، ولقرنه في شركه تخبط، وقد عاد الدين إلى غربته، وشرق الإسلام بكربته، كأن لم تسمع بنصر بن نصير، وطرق طارق بكل خير، ونهشات حنش [5] وكيف أعيت الرقى، وأبانت ليل السليم من نوم الملتقى [6] ولم تخبر عن المروانية وصوائفها، وفتى معافر [7] وتعفيره الأوثان وطوائفها، لله ذاك السلف لقد طال الأسى عليهم والأسف.
وقال في رسالة أخرى: وما الذي نبغيه، أو أي أمل لا نطرحه ونلغيه، بعد الحادثة الكبرى والمصيبة التي كل كبد لها حرى، وكل عين من أجلها عبرى، لكن هو القضاء لا يرد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ومما قاله في ذلك من المنظوم قوله:
ما بال دمعك لا يني مدراره ... أم ما لقلبك لا يقر قراره
أللوعة بين الضلوع لظاعن ... سارت ركائبه وشطت داره
أم للشباب تقاذفت أوطانه ... بعد الدنو وأخفقت أوطاره
أم للزمان أتى بخطب فادح ... من مثل حادثه خلت اعصاره
بحر من الأحزان عب عبابه ... وارتج ما بين الحشا زخاره
في كل قلب منه وجد عنده ... أسف طويل ليس تخبو ناره
أما بلنسية فمثوى كافر ... حفت به في عقرها كفاره
زرع من المكروه حل حصاده ... عند الغدو غداة لج حصاره
وعزيمة للشرك جعجع بالهدى ... أنصارها إذ خانه أنصاره
قل كيف تثبت بعد تمزيق العدا ... آثاره أم كيف يدرك ثاره
ما كان ذاك المصر إلا جنة ... للحسن تجري تحته أنهاره [1] ناظر إلى قول الشاعر:
وكيف انتفاعي بالأصائل والضحى ... إذا لم يعد ذاك النسيم الذي هبا (2) يمكن اعتبار هذين السطرين جزءاً من الكلام المسجوع أو افرادهما لانتظام الإيقاع. [3] سقط من الأصلين، وزدناه من بروفنسال. [4] وأمنت زيادتها: هذه هي القراءة التي وردت عند بروفنسال، وفي الأصلين: وأساقوها، عدها، ولم أتبين لها وجهاً. [5] هو حنش الصنعاني، ويقال إنه دخل الأندلس، وشارك في الفتح. [6] بروفنسال: وأذالت بليل السليم يوم الملتقى. [7] هو المنصور بن أبي عامر.