باغة وهي النفاطة ومن هناك يحمل النفط الأبيض، وهناك آطام، وهي عيون النيران تظهر من الأرض وترى من الليل على مسافات كأطمة صقلية، وأطمة وادي برهوت من وادي الشحر وحضرموت، وأطمة أشك [1] بين بلاد فارس والأهواز ترى في الليل عن مسافة أربعين فرسخاً، والأطمة العظيمة التي في مملكة المهراج ملك جزائر الزابج [2] ، والمهراج سمة لكل من ملكها، يلحق لهب هذه الأطمة بأعنان السماء لذهابها في الجو ويسمع لها كأشد ما يسمع من أصوات الرعود، وربما ظهر منها صوت عجيب يفزع من يسمعه من البلاد النائية ينذر بموت بعض ملوكهم، وربما كان أخفض من ذلك ينذر بموت بعض رؤسائهم، قد عرفوا ذلك بطول التجارب والعادة على قديم الزمان. ببشتر (3)
بالأندلس حصن منيع بينه وبين قرطبة ثمانون ميلاً، وهو حصن تزل عنه الأبصار فكيف الأقدام على صخرة صماء منقطعة لها بابان، ويتوصل إلى أعلاها من شعب يسلكه الداخل الخفيف، وطريقه عند الطلوع والهبوط على النهر، وأعلى الصخرة سهلة مربعة ذات مياه كثيرة، يقطع الحجر فينبعث الماء العذب وتنبط فيها الآبار بأيسر عمل وكد وحصن ببشتر كان قاعدة العجم، كثير الديارات والكنائس والدواميس، ولهذا الحصن قرى كثيرة وحصون خطيرة وما حوله كثير المياه والأشجار والثمار والكروم وشجر التين وأصناف الفواكه والزيتون وما بها الآن نبذ مما كان فإن فتنة ابن حفصون أتت على أكثر ذلك.
البثنية (4)
مدينة بالشام، قالوا كان نبي الله أيوب كثير المال وكانت له البثنية والجابية من الشام كلها بما فيها، وكان له فيهما ما لا يحصى من العبيد والغنم والدواب، وابتلاه الله تعالى في ماله وولده فصبر ثم ابتلاه في جسمه وبقي مطروحاً على كناسة سبع سنين وأشهراً فصبر، قالوا: ومدينة البثنية هي اذرعات من عمل دمشق.
بجانة (5)
بفتح الباء وبعدها جيم مفتوحة مشددة بعدها ألف وبعد الألف نون، مدينة بالأندلس كانت في قديم الدهر من أشرف قرى أرش اليمن، وإنما سمي الإقليم أرش اليمن لأن بني أمية لما دخلوا الأندلس أنزلوا بني سراج القضاعيين في هذا الإقليم وجعلوا إليهم حراسة ما يليهم من البحر وحفظ الساحل، فكان ما ضمنوا منه من مرسى كذا إلى مرسى كذا يسمى أرش اليمن أي عطيتهم ونحلتهم.
وبقرب بجانة كان جامع الإقليم الأعظم إلا أنها كانت حارات مفترقة حتى نزلها البحريون وتغلبوا على من كان فيها من العرب وصار الأمر لهم فجمعوها وبنوا سورها وامتثلوا في ذلك ببنية قرطبة وترتيبها، وجعلوا على أحد أبوابها صورة تشاكل الصورة التي على باب القنطرة فأمها الناس من كل جهة وانجفلوا إليها من كل ناحية فارين من الفتن التي كانت إذ ذاك شاملة فكانت أمناً لمن قصدها وحرماً لمن لجأ إليها، وكانت الميرة تجلب إليها من العدوة وضروب المرافق والتجارات، وكان ذلك أيضاً من الأسباب الداعية إلى قصدها واستيطانها، وصار حولها أرباض كثيرة، ويدخلها من النهر جدولان أحدهما بأعلى المدينة من جانب المشرق يسقي بساتينها كلها، والثاني يشق الأرباض الجوفية ويخرج عنها إلى الأرباض القبلية حتى يقع في النهر هناك، وجامعها داخل المدينة بناه عمر بن أسود وفيه قبو على قبة فيها إحدى عشرة حنية منصوبة على أربعة عشر عموداً، منقش أعاليه بنقوش عجيبة، وبشرقي القبو ثلات بلاطات وبغربيه أربع بلاطات أوسع من الشرقية على عمد صخر، وفي الصحن بئر عذبة. وكان بمدينة بجانة أحد عشر حماماً وطرز حرير ومتاجر رائجة، وكان يذهب الوادي الآتي من شرقيها كثيراً من أرباضها وأسواقها عند حمله.
وبشرقي بجانة على ثلاثة أميال جبل شامخ فيه معادن غريبة وفيه الحمة العجيبة الشأن ليس لها نظير في الأندلس في طيب مائها وعذوبته وصفائه ولدونته ونفعه وعموم بركته يقصدها أهل الأسقام والعاهات من جميع النواحي فلا يكاد يخطئهم نفعها، وعليها بناء للأول صهريج إلى جانب العين مربع واسع كانوا قد بنوا على شرقيه قبوين فأعلاهما هناك ظاهر إلى اليوم، والجدر الباقية حواليه واتخذوا على ذلك الماء قرية كثيرة الزيتون والأشجار وضروب الثمار يسقى جميعها من ذلك الماء تعرف بقرية الحمة، وما فضل عن سقي هذه القرية يجتمع أسفلها في صهريج عظيم من بناء الأول أيضاً، فإذا تكامل فيه الماء سرب إلى قرية متخذة تحته [1] مر التعريف ب؟ ((أشك)) وذكر هناك أن صوابه ((آسك)) . [2] ع: الرانج والهراج، ص: الرنج والمهراج؛ وانظر المروج 1: 342.
(3) بروفنسال: 37، والترجمة: 46 (Bobastro) .
(4) انظر ياقوت: (البثنة، والثنية) .
(5) بروفنسال: 37، والترجمة: 47 (Pechina) .