ثمرتها وهزمه بعد أن قتل أكثر رجاله والجملة التي بها كان يصول من أبطاله، وفر اللعين وسيوف المجاهدين تأخذ منه، وعزيمتهم لا تقلع عنه، إلى أن أوى إلى حصن خرب في رأس جبل شاهق مع الفل الذي بقي معه بعد الامساء وأحدق المسلمون تلك الليلة بذلك الحصن يرقبونه ولما أيقن أنه سيصطلم إن أقام هناك تسلل في ظلمة الليل من ذلك الموضع واتخذ الليل جملاً، وإذا رأى غير شيء ظنه رجلاً، وانصرف المسلمون مغتبطين بغنيمتهم وأجرهم، وكان ذلك سبباً لبقائها بأيدي المسلمين إلى أن ينقضي أجل الكتاب ففي صفة الحال يقول شاعر الشرق في وقعة يحيى بن علي هذه أبو جعفر ابن وضاح المرسي من قصيدة يمدحه بها:
شمرت برديك لما أسبل الواني ... وشب منك الأعادي نار غيان
دلفت في غابة الخطي نحوهم ... كالعين يهفو عليها وطف أجفان
عقرتهم بسيوف الهند مصلتة ... كأنما شرقوا منها بغدران
هون عليك سوى قوم قتلتهم ... من يكسر النبع لم يعجز عن البان
أودى الصميم وعاقت عن بقيتهم ... مقادر أغمدت أسياف شجعان
وقفت والجيش عقد منك منتثر ... إلا فرائد أشياخ وشبان
والخيل تنحط من وقع الرماح بها ... كأن تصهالها ترجيع ألحان في أبيات غير هذه. أفسيس أو أفسميس أو أفسبين (1)
مدينة في رستاق من عمل من الأعمال التي دون خليج القسطنطينية من جهة بلاد الأرمن، وكانت مدينة أفسيس هذه على البحر الرومي فبعد البحر عنها وخربت وأحدثت مدينة على نحو ميل منها، فبعض الناس يقول أصحاب الكهف غير أصحاب الرقيم وكلا موضعيهما بأرض الروم. وذكر محمد بن موسى المنجم [2] حين أنفذه الواثق إلى بلاد الروم أنه أشرف على أصحاب الرقيم بخرمة [3] من بلاد الروم، ويقال إن أفسيس هذه هي مدينة أصحاب الكهف، قالوا: وهم في كهف في رستاق بين عمورية ونيقية، وهذا الكهف في جبل علوه [4] أقل من ألف ذراع وله سرب من وجه الأرض ينفذ إلى الموضع الذي فيه أصحاب الكهف، وفي أعلى الجبل شبيه بالبئر ينزل فيها إلى باب السرب ويمشي فيه مقدار ثلثمائة خطوة ثم يفضي منه إلى ضوء، وهناك رواق على أساطين منقورة فيه عدة أبيات منها بيت مرتفع العتبة مقدار القامة، عليه باب حجارة منقورة وفيه الموتى وهم أصحاب الرقيم وعددهم سبعة، وهم نيام على جنوبهم، وهي مطلية بالصبر والمر والكافور، عند أرجلهم كلب دائر في استدارة رأسه عند ذنبه ولم يبق منه إلا القحف وأكثر أعظمه باقية حتى لا يخفى منه شيء.
قال مؤلف نزهة المشتاق [5] : ووهم أهل الأندلس في أصحاب الرقيم حين زعموا أن أصحاب الرقيم هم الشهداء الذين هم في مدينة لوشة، قال ورأيت القوم في هذا الكهف عام عشرة وخمسمائة فنزلنا إليهم من فم بئر عمقها نحو من قامة وزائد، ومشينا في سرب فيه ظلمة خطوات قلائل ثم اتسع الغار فألفينا هناك الموتى وهم رقود على جنوبهم وعددهم سبعة وعند أرجلهم كلب ملتو، وقد ذهب لحمه وجلده وبقيت عظامه في فقاراته كما هي في الحياة، ولا يعلم أحد في أي زمن دخلوا هذا الكهف أو ادخلوا إليه، وأول رجل يلفى منهم له خلق عظيم ورأس كبير، وأهل الأندلس يقولون إن هؤلاء القوم الذين في هذا الكهف هم أصحاب الكهف، والصحيح ان أصحاب الكهف من قدمنا ذكرهم وفي ذكرنا في الرقيم في حرف الراء بعض خبرهم أيضاً فتأمله.
(1) في الأصل: أقشين أو أمشين أو أقشبين، وانظر ابن خرداذبه: 106، وعند ياقوت: أفسوس، وفي نزهة المشتاق: أقسمين. [2] انظر ياقوت: ((الرقيم)) ، وابن خرداذبه: 106، والتنبيه: 134. [3] ع: بحارطي، وسقطت من: ص، المروج: حارمي؛ التنبيه: خارمي. [4] ابن خرداذبه: قطر أسفله. [5] نزهة المشتاق: 256.