به، ومتى عثر على أحد منهم بات بها استبيح ماله ودمه.
افرندين
موضع بالعراق بناحية المدائن. قال أنس بن الحليس [1] : بينا نحن محاصرون بهرسير أشرف علينا رسول فقال: إن الملك يقول لكم: هل إلى المصالحة سبيل على أن لنا ما بين دجلة وحملها ولكم ما يليكم من دجلة إلى حملكم، أما شبعتم لا أشبع الله بطونكم. فبدر الناس الأسود بن قطبة وقد أنطقه الله عز وجل بما لا يدري ما هو ولا نحن، فأجابه بالفارسية ولا يعرف منها شيئاً ولا نحن، فرجع ورأيناهم يقطعون إلى المدائن، فقلنا: يا فلان ما قلت له؟ قال: لا والذي بعث محمداً بالحق ما أدري ما هو إلا أني غلبتني سكينة وأرجو أن أكون أنطقت بالذي هو خير وأتى الناس يسألونه حتى سمع ذلك سعد، فجاء فقال: يا أسود ما قلت لهم فوالله انهم لهراب، فحدثه مثل حديثه إيانا، فنادى بالناس ثم نهد بهم فما ظهر على المدينة أحد ولا خرج إلينا إلا رجل نادى بالأمان فأمناه، فقال: ما بقي أحد فيها فما يمنعكم، فتسورها الرجال وافتتحناها، فسألناهم وذلك الرجل لأي شيء هربوا، فقال: بعث إليكم الرجل فعرض عليكم الصلح، فأجبتموه أنه لا يكون بيننا وبينكم صلح أبداً حي نأكل عسل افرندين بأترج كوثى، فقال الملك: يا ويلاه ألا أرى الملائكة تكلم على ألسنتهم فترد علينا وتجيبنا عن العرب، والله لئن لم يكن كذلك ما هو إلا شيء ألقي على في هذا الرجل لننتهي، فأرزوا إلى المدينة القصوى. إفريقية (2)
عمل كبير عظيم في غرب ديار مصر، سميت بافريقس بن أبرهة ملك اليمن لأنه غزاها وافتتحها، قيل كان بالشين المعجمة ثم عرب بالسين وقال قوم: معنى إفريقية صاحبة السماء، وقيل سميت بافريق بن إبراهيم عليه السلام من زوجه قطورا، وقيل أهل إفريقية من ولد فارق بن مصر. وطول إفريقية من برقة شرقاً إلى طنجة غرباً وعرضها من البحر إلى الشرق وبها يصاد الفنك الجيد ورووا عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ففصلوا فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شدة البرد الذي أصابهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكن إفريقية أشد برداً وأعظم أجراً "، وفي رواية أخرى " إن البرد الشديد والأجر العظيم لأهل إفريقية "، وفي خبر آخر أنه عليه السلام قال: ينقطع الجهاد من البلدان كلها فلا يبقى إلا بموضع في المغرب يقال له إفريقية فبينما القوم بازاء عدوهم نظروا إلى الجبال قد سيرت فيخرون لله تبارك وتعالى سجداً فلا ينزع عنهم أخفافهم إلا خدامهم في الجنة ".
وغزا إفريقية[3] عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة سبع وعشرين ومعه عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر ومروان بن الحكم رضي الله عنهم وعدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسميت غزوة العباد أو العبادلة، وبرز جرجير ملك إفريقية لابن الزبير فقتله ابن الزبير رضي الله عنهما وحوى المسلمون غنائم كبيرة وبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار، وغلبوا على كل مدينة فيها وفتحوها عنوة، وكان سلطان جرجير من طرابلس إلى طنجة، وكان جرجير لما عزم على لقاء المسلمين أخرج ديدبانه وهو منظر من خشب، وأمر ابنته فصعدت الديدبان وسفرت عن وجهها وكان معها أربعون خادماً في الحلي والحلل، وقدم كراديسه وهو تحت الديدبان وقال: والمسيح لا قتل عبد الله بن سعد رجل منكم إلا زوجته إياها وسقت إليه ما معها من الخدم والنعمة وأنزلته مني المنزلة التي لا يطمع فيها أحد عندي، وبلغ خبره عبد الله فقال لأهل عسكره: وحق محمد النبي صلى الله عليه وسلم لا قتل أحد منكم جرجير إلا نفلته ابنته وما معها، وكان في عشرين ألفاً وجرجير في عشرين ومائة ألف، وتزاحف الناس، ورأى ابن الزبير رضي الله عنهما عورة من جرجير - رآه خلف أصحابه منقطعاً عنهم على برذون أشهب معه جاريتان تظللانه بريش الطواويس - فدخل على عبد الله بن سعد من كسر خبائه وهو مستلق على فراشه يفكر في أمره فقال له: عورة من عدونا وخشيت الفوت فاخرج فاندب الناس، فخرج فقال: أيها الناس انتدبوا مع ابن الزبير إلى عدوكم، قال: فتسرع إلي جماعة أخذت منهم ثلاثين فارساً قلت: إني حامل فاصرفوا عن ظهري من أرادني فإني سأكفيكم ما أمامي إن شاء الله تعالى: ثم حمل في الوجه الذي هو فيه، وذبوا عنه وابتغوه، فخرق الصفوف إليه فحسب أنه رسول فلما رأى السلاح ثنى برذونه هارباً، وأدركته، قال: فطعنته فسقط ميتاً فرميت بنفسي عليه [1] الطبري 1: 2429، وفيد افريذين، وفي النسخ والمصادر صور أخرى للكلمة (حاشة الطبري ص: 2430) .
(2) البكري: 21. [3] قارن بما عند ابن عذاري 1: 9، وابن عبد الحكم: 183.