بكت أن رأت الفين ضمهما وكر ... مساءً وقد أخنى على ألفها الدهرُ
وناحت فباحت واستراحت بسرها ... وما نطقت حرفاً يبوح به سرُّ
فما ليَ لا أبكي أم القلب صخرة ... وكم صخرة في الأرض يجري بها نهرُ
بكت واحداً لم يشجها غير فقه ... وأبكي لآلاف عديدهمُ كثرُ
بنىُّ صغيراً أو خليل موافق ... يمزّق ذا فقر ويغرق ذا بحرُ
ونجمان زينٌ للزمان احتواهما ... بقرطبة النكداءَ أو رندة القبرُ
عذرت إذاً أن ضنَّ جفني بقطرة ... وإن لؤمت نفسي فصاحبها الصبرُ
فقل للنجوم الزهر تبكيهما معي ... لمثلهما فلتحزن الأنجم الزهرُ
ولما تم في الملك أمك، وأراد الله أن تخر عمك، وتنقرض أيامه، وتتقوض عن عراص الملك خيامه، نازلته جيوش أمير المسلمين ومحلاته، وظاهرته فساطيطه ومظلاته، بعدما نثرت حصونه وقلاعه، وسعرت بالنكاية جوارحه وأضلاعه، وأخذت عليه الفروج والمضائق، وثنت إليه الموانع والعوائق، وطرقته بالأضرار، وأمطرته كل ديمة مدرار، وهو ساه بروض ونسيم، لاه براح ومحبباً وسيم، زاه بفتاة تنادمه، ناه عن هدم أنس هو هادمه، لا يصيخ إلى نبأة سمعه، ولا ينيخ إلا على لهو يفرق جموعه جمعه، قد ولى المدامة ملامه، وثنى إلى ركنها طوافه واستلامه، وتلك الجيوش تجوش خلاله، وتقلص ظلاله، محين اشتد حصاره، وعجزت عن المدافعة أنصاره، ودلس عليه ولاته، وكثرت أدواؤه وعلاته، فتح باب الفرج، وقد لفح شواظ الهرج، فدخلت عليه من المرابطين زمرة، واشتعلت لهم من التغلب جمرة، تأجج اضطرامها، وسهل بها إيقاد البقية وإضرامها، وعندما سقط الخبر عليه خرج حاسراً من مفاضته، جامحاً كالمهر قبل رياضته، فلحق أوائلهم عند الباب المذكور وقد انتشروا في جنباته، وظهروا على البلد من أكثر جهاته، وسيفه في يده يتلمظ الطلا والهام، ويعد بانفراج ذلك الإبهام، فرماه أحد الداخلين برمح تخطاه، وجاوز مطاه، فبادره بضربه أذهبت نفسه، وأغربت شمسه، ولقي ثانياً فضربه وقصمه، وخاض حشا ذلك الداء فحمسه، فأجلوا عنه، وولوا فراراً منه، فأمر بالباب فسد، وبني منه ماهد، ثم انصرف وقد أراح نفسه وسفاها، وأبعد الله عنه الملامة ونفاها، وفي ذلك يقول عند ما خلع، وأودع من المكروه ما أودع: كامل مجزوء