رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فسأل قدامة فَقَالَ: يا رَسُول اللَّه، بِنْت أخي، ولم آل أختار لها فَقَالَ:
ألحقها بهواها، فإنها أحق بنفسها، فانتزعها مني، وزوجها المغيرة بْن شُعْبَة. واستعمل عُمَر بْن الخطاب قدامة بْن مظعون عَلَى البحرين، فقدم الجارود العبدي من البحرين عَلَى عُمَر بْن الخطاب فَقَالَ: يا أمير المؤمنين، إن قدامة شرب فسكر، وَإِني رأيت حدًا من حدود اللَّه حقًا عليّ أن أرفعه إليك. قَالَ عُمَر: من شهد معك قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ. فدعا أبا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: بم تشهد؟ فَقَالَ: لم أره يشرب، ولكني رَأَيْته سكران يقيء. فَقَالَ عُمَر:
لقد تنطعت [1] في الشهادة. ثُمَّ كتب إِلَى قدامة أن يقدم عَلَيْهِ من البحرين. فقدم، فَقَالَ الجارود لعمر: أقم عَلَى هَذَا كتاب اللَّه. فَقَالَ عُمَر: أخصم أنت أم شهيد؟ فَقَالَ: شهيد. قَالَ:
قَدْ أديت شهادتك! فسكت الجارود، ثُمَّ غدا عَلَى عُمَر فَقَالَ: أقم عَلَى هَذَا حد اللَّه عزَّ وجلَّ. فَقَالَ عُمَر: لتمسكن لسانك أَوْ لأسوءنك. فَقَالَ: يا عُمَر، والله ما ذَلِكَ بالحق، يشرب ابْن عمك الخمر وتسوءني. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إن كنت تشك فِي شهادتنا، فأرسل إِلَى ابْنَة الْوَلِيد- امْرَأَة قدامة- فسلها. فأرسل عُمَر إِلَى هند بِنْت الْوَلِيد ينشدها، فأقامت الشهادة على زوجها، فقال عمر لقدامة: إني حادك. قَالَ: لو شربت، كما يقولون، ما كان لكم أن تحدّوني. فَقَالَ عُمَر. لم؟
قَالَ قدامة: قَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) 5: 93 [2] ، فَقَالَ عُمَر: أخطأت التأويل، لو اتقيت اللَّه اجتنبت ما حرم اللَّه، ثُمَّ أقبل عُمَر عَلَى النَّاس فَقَالَ: ما ترون فِي حد قدامة؟ فَقَالَ القوم: لا نرى أن تجلده ما كَانَ مريضًا فسكت عَلَى ذَلِكَ أيامًا ثُمَّ أصبح يومًا- وَقَدْ عزم عَلَى جلده، فَقَالَ لأصحابه ما ترون فِي جلد قدامة؟ فقالوا لا نرى أن تجلده ما كَانَ مريضًا. فَقَالَ عُمَر: لأن يلقى اللَّه تحت السياط أحب إليَّ من أن ألقاه وهو فِي عنقي، ائتوني بسوط تام. فأمر عُمَر بقدامة فجلد، فغاضب قدامة عُمَر وهجره، فحج عمر وقدامة معه مغاضبا له، فلما قفلا من حجهما ونزل عُمَر بالسقيا [3] نام، فلما استيقظ من نومه قَالَ: عجلوا عليّ بقدامة، فو الله لقد أتاني آت فِي منامي فَقَالَ: سالم قدامة، فإنه أخوك، فعجلوا عليّ بِهِ. فلما أتوه أَبِي أن يأتي، فأمر بِهِ عُمَر إن أَبِي أن يجروه إِلَيْه، فكلمه عُمَر، واستغفر له، فكان ذلك أوّل صلحهما [4] . [1] تنطع في الكلام: غالى وتعمق. [2] سورة المائدة، آية: 93. [3] السقيا، بضم السين، وسكون القاف: - قرية جامعة من عمل الفرع بينهما مما يلي الجحفة تسعة عشر ميلا. والفرع:
قرية بينهما وبين المدينة ثمانية برد. [4] الأثر في الاستيعاب: 3/ 1277- 1279.