جاءوا للاستيلاء على خيرات بلادهم، الأمر الذي جعلهم يقاومون بشراسة، لكنهم لما عرفوا أن المسلمين ليسوا غزاة، وإنما هداة يحملون إليهم الإسلام أقبلوا على اعتناقه والإيمان بمبادئه. يقول المستشرق المجري "أرمينوس فامبري": "إن بخارى التي قاموت العرب في البداية مقاومة عنيفة قد فتحت لهم أبوابا لتستقبلهم ومعهم تعاليم نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم، تلك التعاليم التي قوبلت أول الأمر بمعارضة شديدة، ثم أقبل القوم عليها بعد ذلك في غيرة شديدة حتى لنري الإسلام -الذي أخذ شأنه يضعف اليوم في جهات آسيا الأخرى- وقد غدا في بخارى اليوم "1873م" على الصورة التي كان عليها أيام الخلفاء الراشدين[1].
2- كان السكان في هذه المناطق يرضون بالصلح أو يعتنقون الإسلام ظاهريا في بداية الأمر كما أسلفنا، وما إن ينصرف الجند المسلمون حتى ينقضوا العهد أو يرتدوا عن الإسلام. وهذا يظهر بوضوح مدى منطقية مفهوم "عقبة بن نافع" -فاتح "إفريقية" ومؤسس مدينة "القيروان" فيها -بضرورة أن يكون الفتح معنويان، وليس عسكريا، فالفتح المعنوي يحتاج إلى وجود مسلمين مقيمين في المنطقة بعد فتحها يفتحون القلوب بالإيمان والعلم. أما الفتح العسكري فيتم بواسطة الجند الذين يرتحلون بعد نجاح المهمة العسكرية فلا يحققون شيئا في الواقع إلا فتح الأرض التي تنقض عليهم فور انسحابهم[2].
3- لا شك أن قيادة "قتيبة بن مسلم" الفذة وخططه العسكرية المحكمة، ودعم القيادة العليا له -ممثلة بالحجاج في العراق، والخليفة عبد الملك، ثم ابنه الوليد في الشام- إضافة إلى ما كان من طاقات إيمانية عند الجند: جعل النصر حليف المسلمين في هذا الميدان، وقد ساعد ذلك -مع المعاملة الطيبة لأهل البلاد- على تحويل المنطقة إلى دار إسلام[3].
وبوفاة "قتيبة بن مسلم" توقفت فتوحات المسلمين على هذه الجبهة عند الحد [1] د. عبد الشافي محمد عبد اللطيف: العصر الأموي "الجزء الثاني من موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي -ص31". [2] نادية محمود مصطفى: الدولة الأمورية دولة الفتوحات، ص"50". [3] د. محمد ضيف الله بطاينة: دراسات في تاريخ الخلفاء الأمويين ص"227".