نظام الجيش، وبينما يحاول الغافقي إعادة النظام إلى جيشه أصابه سهم فقتله، فعم الاضطراب بين المسلمين وكثر القتل فيهم، واشتد الفرنج عليهم، لكنهم صبروا حتى جن الليل وتحاجز الفريقان دون فصل، ثم انسحب المسلمون نحو مراكزهم في "سبتمانيا" تاركين غنائمهم، وأصبح الفرنجة فلم يجدوا لهم أثرا سوى الجرحى ومن لم يتمكنوا من مرافقة الجيش المنسحب، فأجهزوا عليهم، وانتهبوا ذخائر عظيمة، ولم يفكروا في تتبع المسلمين[1].
ومهما قيل من أسباب لتعليل خسارة المسلمين في معركة "بلاط الشهداء" -من مثل ما قيل عن وجود خلاف في الجيش الإسلامي "العرب والبربر"، وابتعاد الجيش عن بلاد الإسلام بحيث أصبح على بعد "400 كم" شمال جبال ألبرت التي تبعد عن قرطبة مسافة "900 كم" مما جعل موالاته بالمؤن والإمداد أمرا عسيرا، بينما كانت خطوط إمداد الفرنجة سهلة ومتصلة، إضافة إلى أن المناخ لم يكن مناسبا لخوض الجنود والخيول العربية تلك المعركة القاسية، وأن المسلمين ساروا مثقلين بغنائم المعارك السابقة، مما دفع العدو إلى ضرب مؤخرة الجيش الإسلامي فارتبكت صفوفه، هذا إلى أن إمارات "غالة" كانت قد تكتلت جميعا لمواجهة جيوش الإسلام وصدها عن الجنوب[2]- أقول: مهما قيل من مثل هذه التعليلات وغيرها، وبعيدا عن مدى صحة بعضها وواقعيتها, فإن معركة بلاط الشهداء كانت أعظم لقاء بين الإسلام والنصرانية، وبين الشرق والغرب، ففي سهول "تور"، و"بواتييه" فقد المسلمون سيطرتهم على أوروبا، وارتد تيار الفتح الإسلامي أمام الأمم الشمالية كما ارتد قبل ذلك بأعوام أمام أسوار القسطنطينية، وأخفقت بذلك آخر محاولة بذلتها الخلافة لافتتاح أمم الغرب وإخضاع النصرانية لصولة الإسلام، ولم تتح للإسلام [1] عن معركة بلاط الشهداء راجع بتوسع: دولة الإسلام في الأندلس لمحمد عبد الله عنان "1/ 92-111"، معالم تاريخ المغرب والأندلس لحسين مؤنس ص"140-147"، التاريخ الأندلسي للحجي ص"193-203"، المسلمون في الأندلس لعبد الله جمال الدين "موسوعة سفير "7/ 15, 16"، الأندلس في التاريخ لشاكر مصطفى ص"26". وراجع: الكامل لابن الأثير "4/ 404"، البيان المغرب "2/ 28"، نفح الطيب "1/ 236، 3/ 15, 16". [2] راجع معالم تاريخ المغرب والأندلس لحسين مؤنس ص257، تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس للسيد سالم ص"143".