نام کتاب : دولة الإسلام في الأندلس نویسنده : عنان، محمد عبد الله جلد : 1 صفحه : 79
حتى داجوبيرت أن يبسطوا مثل هذا السلطان حيناً. ولكن خلفاء داجوبيرت كانوا رجالا ضعاف الخلال والعزائم، ينغمسون في نعماء الترف والملاذ، فضعف سلطان العرش، وانهارت السلطة المركزية القوية التي كان يقبض عليها، واسترد الأشراف والزعماء المحليون استقلالهم وامتيازاتهم. هذا إلى أن ما استطاع العرش أن يحتفظ به من السلطات، امتدت إليه سلطة جديدة في القصر ذاته، هي سلطة محافظ القصر. وكان هذا المنصب في المبدأ متواضعا، ليست له أية صفة سياسية أو إدارية، تقتصر مهامه على النظر في شئون القصر المنزلية، ولكنه غدا منذ أوائل القرن السابع، أعني منذ أخذت سلطة العرش في الضعف، منصبا هاماً، يتولاه رجال أقوياء يتطلعون إلى السلطان، وتؤازرهم عصبية الأسرة والثروة، وأصبح بمضي الزمن أهم مناصب الدولة السياسية والإدارية، يستأثر صاحبه بكل السلطات الحقيقية، وإليه منتهى الأمر في أخطر شئون الدولة، يباشرها باسم العرش ومن ورائه، ولا يباشر الملك إلى جانبه غير رسوم الملك الإسمية، ويلتف حوله الزعماء والأكابر، ويباشر في معظم الأحيان سلطة الملك الحقيقية، خصوصاً إذا كان الملك طفلا قاصراً، فهو عندئذ يغدو الملك الحقيقي باسم الوصي أوالنائب.
وكانت الأسرة الكارلية [1] القوية قد اختصت بهذا المنصب الخطير، منذ عهد الملك داجوبيرت، وأخذت تهدد بنفوذها وقوتها مصير الأسرة الميروفنجية الملكية. وكانت أقوى بطون الفرنج في أوستراسيا (مملكة الفرنج الغربية)، تملك ضياعاً شاسعة ما بين نهري الرَّين والموز وتتزعم جماعة النبلاء، وترعاها الكنيسة لنفوذها وسلطانها، ويمنح زعيمها محافظ القصر لقب " دوق الفرنج " تنويها برياسته وسلطانه، الذي أصبح فوق سلطان العرش. وكان انحلال الأسرة الميروفنجية وانهيار سلطانها على هذا النحو، سببا في تفرق كلمة الفرنج وانحلال الإمبراطورية الفرنجية الشاسعة، وتطلع الزعماء إلى الاستقلال والرياسة، أسوة بما انتهى إليه محافظ القصر؛ فاضطرمت الحرب الأهلية حيناً بين الفرنج في أوستراسيا والفرنج في نوستريا (الفرنج الشرقية)، وأسفر هذا الصراع عن استقلال ولاية أكوتين في غاليا الجنوبية، وكذا استقلال معظم الولايات الألمانية، برياسة طائفة من [1] Carlovingians أو Carolingians، نسبة إلى أعظم ملوكها كارل الأكبر أو الإمبراطور شارلمان.
نام کتاب : دولة الإسلام في الأندلس نویسنده : عنان، محمد عبد الله جلد : 1 صفحه : 79