نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 679
واغتناما، وشكرا على الّذي أحسن وتماما، وسع كلّ شيء رحمة وإنعاما، وأقام على توحيده من أكوانه ووجوده آيات واضحة وأعلاما، وصرّف الكائنات في قبضة قدرته ظهورا وخفاء وإيجادا وإعداما، وأعطى كلّ شيء خلقه ثم هداه إلى مصالحه إلهاما، وأودع مقدور قضائه في مسطور كتابه، فلا يجد محيصا عنه ولا مراما.
والصلاة والسّلام على سيّدنا ومولانا محمّد نبيّ الرّحمة الهامية غماما [1] والملحمة التي أراقت من الكفر نجيعا وحطّمت أصناما، والعروة الوثقى، فاز من اتخذها عصاما [2] ، أول النّبيّين رتبة وآخرهم ختاما، وسيّدهم ليلة قاب قوسين إذ بات للملائكة والرّسل إماما، وعلى آله وأصحابه الذين كانوا ركنا لدعوته وسناما [3] وحربا على عدوّه وسماما [4] ، وصلوا في مظاهرته جدا واعتزاما، وقطعوا في ذات الله وابتغاء مرضاته أنسابا وأرحاما، حتى ملئوا الأرض إيمانا وإسلاما، وأوسعوا الجاحد والمعاند تبكيتا وإرغاما [5] ، فأصبح ثغر الدين بسّاما ووجه الكفر والباطل عبوسا جهاما. صلّى الله عليه وعليهم ما عاقب ضياء ظلاما، صلاة ترجّح القبول ميزانا، وتبوّئ عند الله مقاما.
والرضى عن الأئمة الأربعة، الهداة المتّبعة، مصابيح الأمان ومفاتيح السّنّة الذين أحسنوا بالعلم قياما وكانوا للمتّقين إماما.
أمّا بعد فإن الله سبحانه تكفل لهذا الدين بالعلاء والظّهور، والعز الخالد على الظّهور، وانفساح خطّته في آفاق المعمور، فلم يزل دولة عظيمة الآثار، غزيرة الأنصار، بعيدة لصّيت عالية المقدار، جامعة- بمحاسن آدابه وعزّة جنابه- معاني الفخار، منفّقة بضائع علومه في الأقطار، مفجرة ينابيعها كالبحار، مطلعة كواكبها المنيرة في الآفاق أضوأ من النهار، ولا كالدولة التي استأثرت بقبلة الإسلام ومنابره، وفأخرت بحرمات الله وشعائره واعتمدت بركة الإيمان وأواصره، واعتملت في إقامة رسوم العلم ليكون من مفاخره، وشاهدا بالكمال لأوّله وآخره.
وإن مولانا السلطان الملك الظّاهر، العزيز القاهر، شرف الأوائل والأواخر، ورافع [1] همت السماء: امطرت، والغمام: القطر نفسه. [2] العصام: رباط كل شيء. من حبل ونحوه. [3] السنام: المرتفع من الرمل، والجبل، والمراد انه ملجأ. [4] السمام: جمع سم، وفي حديث عن علي رضي الله عنه: (الدنيا غذاؤها سمام) . [5] الجهام: السحاب لا ماء فيه، ويريد: كريها لا خير فيه.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 679