نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 654
الشهادات، فقد كان البرّ منهم مختلطا بالفاجر، والطّيب ملتبسا بالخبيث، والحكّام ممسكون عن انتقادهم، متجاوزون عما يظهر عليهم من هناتهم، لما يموّهون به من الاعتصام بأهل الشوكة فإن غالبهم مختلطون بالأمراء، معلمون للقرآن، وأئمة في الصلوات، يلبسون عليهم بالعدالة، فيظنّون بهم الخير ويقسمون الحظ من الجاه في تزكيتهم عند القضاء، والتوسّل لهم، فأعضل داؤهم، وفشت المفاسد بالتزوير والتدليس بين الناس منهم، ووقفت على بعضها فعاقبت فيه بمرجع العقاب، ومؤلم النكال وتأدّى لعلمي الجرح في طائفة منهم، فمنعتهم من تحمّل الشهادة، وكان منهم كتاب الدواوين للقضاة والتوقيع في مجالسهم، وتدرّبوا على إملاء الدعاوي وتسجيل الحكومات [1] ، واستخدموا للأمراء فيما يعرض لهم من العقود بإحكام كتابتها، وتوثيق شروطها، فصار لهم بذلك شفوف [2] على أهل طبقتهم، وتمويه على القضاة بجاههم يدّرعون [3] به مما يتوقعونه من مغبتهم، لتعرّضهم لذلك بفعلاتهم، وقد يسلّط بعض قلمه، على العقود المحكمة فيوجد السبيل إلى حلّها بوجه فقهيّ أو كتابيّ، ويبادر إلى ذلك متى دعا إليه داعي جاه أو منحة، وخصوصا في الأوقاف التي جاوزت حدود النهاية في هذا المصر لكثرة عوالمه، فأصبحت خافية الشهرة مجهولة الأعيان، عرضة للبطلان، باختلاف المذاهب المنصوبة للأحكام بالبلد، فمن اختار فيها بيعا أو تمليكا، شارطوه وأجابوه مفتاتين فيه على الحكّام الذين ضربوا فيه سدّ الحظر والمنع حماية عن التّلاعب، وفشا من ذلك الضرر في الأوقاف، وطرق الغرر [4] في العقود والأملاك.
فعاملت الله في حسم ذلك بما آسفهم عليّ وأحقدهم، ثم التفت إلى أهل الفتيا بالمذهب، وكان الحكّام منهم على جانب الحيرة لكثرة معارضتهم، وتلقينهم الخصوم وفتياهم بعد نفوذ الحكم، وإذا فيهم أصاغر، فبينما هم يتشبثون بأذيال الطلب والعدالة، ولا يكادون إذا بهم ظهروا إلى مراتب الفتيا والتدريس، فاقتعدوها وتناولوها بالجزاف، وأجازوها من غير مرتّب [5] ولا مستند للأهلية، ولا مرشح، إذ [1] اي الأحكام. [2] الشفوف: الفضل. [3] أي يحتمون به. [4] هنا بمعني الخداع. [5] وفي نسخة ثانية: فاحتازوها من غير مثرّب. والمثرّب: اللائم.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 654