نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 614
ووردت من غدر المزن في برود [1] ، وأشرعت لاقتطاف أزهار النجوم والذراع بين النطاق معاصم رود [2] ، وبلدا يحيي الماسح والذارع [3] ، وينظم المحاني والأجارع [4] ، فقلنا: اللَّهمّ نفّله أيدي عبادك، وأرنا فيه آية من آيات جهادك، ونزلنا بساحتها العريضة المتون، نزول الغيث الهتون، وتيمّنّا من فحصها بسورة «التين والزّيتون» ، متبرئة من أمان الرحمان للبلد المفتون، وأعجلنا الناس بحميّة نفوسهم النفيسة، وسجيّة شجاعتهم البئيسة [5] ، عن أن تبوّأ [6] للقتال المقاعد [7] ، وتدني بأسماع شهير النفير منهم الأباعد، وقبل أن يلتقي الخديم بالمخدوم، ويركع المنجنيق ركعتي القدوم، فدفعوا من أصحر إليهم من الفرسان.
وسبق إلى حومة الميدان [8] ، حتى أحجروهم في البلد، وسلبوهم لباس الجلد [9] ، في موقف يذهل الوالد عن الولد، صابت السّهام فيه غماما [10] ، وطارت كأسراب الحمام تهدى حماما [11] ، وأضحت القنا قصدا [12] ، بعد أن كانت شهابا رصدا، وماج بحر القتام [13] بأمواج النّصول، وأخذ الأرض الرجفان لزلزال الصّياح الموصول، فلا ترى إلّا شهيدا تظلّل مصرعه الحور [14] ، وصريعا تقذف به الى الساحل تلك البحور، ونواشب [15] تبأى [16] بها الوجوه الوجيهة عند الله والنّحور، [1] البرود من الشراب: ما يبرد الغلة. [2] رخصة ناعمة. [3] مسح الأرض: قاس مساحتها. وذرعها: قاسها بالذراع. [4] المحاني، جمع محنية، وهي منعرج الوادي، وما انحنى من الأرض. والاجارع، جمع أجرع، وهي الأرض الطيبة المنبت، والأرض فيها حزونة. [5] الشديدة البأس. [6] تبوأ: تهيأ. [7] المقاعد: مواقف للقتال تعين لكل واحد من المقاتلين، يعني عجلنا بالهجوم قبل ان يتخذ كل مقاتل مكانا معينا، اشارة الى الآية «وَإِذْ غَدَوْتَ من أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ» 3: 121 (121 من سورة آل عمران) . [8] حومة الميدان: أسد موضع فيه وقت القتال. [9] الجلد: القوة، والصبر. [10] صابت السهام غماما: نزلت كالغمام لكثرتها. [11] الحمام (بالكسر) : قضاء الموت وقدره. [12] قصدا: قطعا، يقال: القنا قصد أي مكسورة. [13] القتام: الغبار. [14] جمع حوراء، وهي التي اشتد بياض عينها، وسواد سوادها. [15] نواشب: سهام ناشبة في وجوه المحاربين، أو في أعناقهم. [16] تبأى بها: تنشق.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 614