نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 521
والتعاليم والحكمة. ثم استدعاه شيخ الهساكرة علي بن محمد بن تروميت ليقرأ عليه، وكان في طاعة السلطان، فدخل [1] إليه شيخنا وأقام عنده مدّة، قرأ عليه فيها وحصّل. واجتمع طلبة العلم هنالك على الشيخ، فكثرت إفادته، واستفادته، وعلي ابن محمد في ذلك على محبته وتعظيمه، وامتثال إشارته، فغلب على هواه، وعظمت رياسته في تلك القبائل. ولما استنزل السلطان أبو سعيد علي بن تروميت من جبله، نزل الشيخ معه، وسكن بفاس. وانثال عليه طلبة العلم من كلّ ناحية، فانتشر علمه، واشتهر ذكره، فلمّا فتح السلطان أبو الحسن تلمسان ولقي أبا موسى ابن الإمام، ذكره له بأطيب الذكر، ووصفه بالتقدّم في العلوم، وكان السلطان معتنيا بجمع العلماء بمجلسه كما ذكرناه. فاستدعاه من مكانه بفاس ونظمه في طبقة العلماء بمجلسه، وعكف على التدريس والتعليم، ولزم صحابة السلطان، وحضر معه واقعة طريف، وواقعة القيروان بإفريقية. وكانت قد حصلت بينه وبين والدي رحمه الله خلّة [2] ، كانت وسيلتي إليه في القراءة عليه، فلزمت مجلسه وأخذت عنه العلوم العقليّة بالتعاليم. ثم قرأت المنطق وما بعده من الأصلين، وعلوم الحكمة. وعرض أثناء ذلك ركوب السلطان أساطيله من تونس إلى المغرب. وكان الشيخ في نزلنا وكفالتنا، فأشرنا عليه بالمقام وثبّطناه عن السفر، فقبل وأقام. وطالبنا به السلطان أبو الحسن فأحسنّا له العذر، فتجافى عنه. وكان من حديث غرقه في البحر ما قدّمناه.
وأقام الشيخ بتونس، ونحن وأهل بلدنا جميعا نتساجل في غشيان مجلسه، والأخذ عنه، فلمّا هلك السلطان أبو الحسن بجبل هنتاتة وفرغ ابنه أبو عنان من شواغله، وملك تلمسان من بني عبد الواد، كتب فيه يطلبه من صاحب تونس وسلطانها يومئذ أبو إسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي يحيى في كفالة شيخ الموحّدين أبي محمد بن تافراكين، فأسلمه إلى سفيره. وركب معه البحر في اسطول أبي عنان الّذي جاء فيه السفير، ومرّ ببجاية ودخلها، وأقام بها شهرا، حتى قرأ عليه طلبة العلم بها مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه برغبتهم في ذلك منه ومن صاحب الأسطول. ثم ارتحل ونزل بمرسى هنين وقدم على أبي عنان بتلمسان، وأحلّه محل التكرمة، ونظمه في طبقة أشياخه من العلماء. وكان يقرأ عليه ويأخذ عنه إلى أن هلك بفاس سنة سبع [1] وفي نسخة ثانية: فصعد إليه شيخنا. [2] وفي نسخة ثانية: صحابة.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 521