responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون    جلد : 1  صفحه : 581
ويقع في مداركها على نظام وترتيب لأنّ الطّبيعة محصورة للنّفس وتحت طورها.
وأمّا التّصوّرات فنطاقها أوسع من النّفس لأنّها للعقل الّذي هو فوق طور النّفس فلا تدرك الكثير منها فضلا عن الإحاطة. وتأمّل من ذلك حكمة الشّارع في نهيه عن النّظر إلى الأسباب والوقوف معها فإنّه واد يهيم فيه الفكر ولا يحلو [1] منه بطائل ولا يظفر بحقيقة. قال الله: «ثُمَّ ذَرْهُمْ في خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ 6: 91» . وربّما انقطع في وقوفه عن الارتقاء إلى ما فوقه فزلّت قدمه وأصبح من الضّالين الهالكين نعوذ باللَّه من الحرمان والخسران المبين. ولا تحسبنّ أنّ هذا الوقوف أو الرّجوع عنه في قدرتك واختيارك بل هو لون يحصل للنّفس وصبغة تستحكم من الخوض في الأسباب على نسبة لا نعلمها. إذ لو علمناها لتحرّزنا منها. فلنتحرّز من ذلك بقطع النّظر عنها جملة. وأيضا فوجه تأثير هذه الأسباب في الكثير من مسبّباتها مجهول لأنّها إنّما يوقف عليها بالعادة لاقتران الشّاهد بالاستناد إلى الظّاهر.
وحقيقة التّأثير وكيفيّته مجهولة، «وَما أُوتِيتُمْ من الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا 17: 85» . فلذلك أمرنا بقطع النّظر عنها وإلغائها جملة والتّوجّه إلى مسبّب الأسباب كلّها وفاعلها وموجدها لترسخ صفة التّوحيد في النّفس على ما علّمنا الشّارع الّذي هو أعرف بمصالح ديننا وطرق سعادتنا لاطّلاعه على ما وراء الحسّ. قال صلّى الله عليه وسلّم: «من مات يشهد أن لا إله إلّا الله دخل الجنّة» . فإن وقف عند تلك الأسباب فقد انقطع وحقّت عليه كلمة الكفر وأن سبح في بحر النّظر والبحث عنها وعن أسبابها وتأثيراتها واحدا بعد واحد فأنا الضّامن له أن لا يعود إلّا بالخيبة. فلذلك نهانا الشّارع عن النّظر في الأسباب وأمرنا بالتّوحيد المطلق «قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ 112: [1]- 4» [2] ولا تثقنّ بما يزعم لك الفكر من أنّه مقتدر على الإحاطة بالكائنات وأسبابها والوقوف على تفصيل الوجود كلّه

[1] لم يحل بطائل: أي لم يظفر ولم يستفد منه (لسان العرب)
[2] سورة الإخلاص.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون    جلد : 1  صفحه : 581
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست