نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 278
وما أقوله يخص أعراب نجد وبادية الشام بالدرجة الأولى. أما أعراب العربية الجنوبية، فإن وضعهم يختلف عن وضع هؤلاء الأعراب، فهم وإن عدوا أعرابًا ونُص عليهم بـ"أعرب" "أعراب" في نصوص المسند، لكنهم لم يكونوا أعرابًا نقلًا، يعيشون على تربية الإبل والغارات وعلى بعض الزراعة وكره الاشتغال بالحرف، بل كانوا شبه مستقرين سكنوا خارج المدن والقرى في مستوطنات متجمعة مؤلفة من بيوت وأكواخ وعشش من طين، ومارسوا تربية الإبل والماشية الأخرى, واشتغلوا بالزراعة وبالحرف اليدوية لم يجدوا في ذلك بأسًا, وكانوا يغيرون على الحضر إن وجدوا فرصة مواتية ولم يكونوا أقوياء بالنسبة إلى الحضر، لوجود حكومات منظمة في استطاعتها ضربهم إن تحرشوا بأهل المدن والقرى، ولهذا لا نجد للأعراب ذكرًا في نصوص المسند القديمة ولم يظهر اسمهم فيها كقوة ضاربة إلا بعد الميلاد وقبيل الإسلام، حين ارتبك الوضع السياسي في العربية الجنوبية، وتدخل الحبش في شئونها، وولع بعض ملوكها مثل الملك "شمر يهرعش" في إثارة الحروب، مما أفسح المجال للأعراب فجربوا حظهم بالدخول في لعب الحروب. فلما وجدوا لهم حظا حسنا وربحا طيبا, مارسوها مع هذا الحاكم أو ذاك, وظهر اسمهم عندئذ في المسند, بل دخل في اللقب الرسمي الذي حمله الملوك, فصار اللقب: "ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت وأعرابها في الهضاب وفي التهائم", وطمع أعراب نجد في الحصول على مغانم في العربية الجنوبية فارتحلوا نحوها، وزاد بذلك عدد الأعراب. ومن هؤلاء كندة الذين تركوا ديارهم بنجد بعد نكبتهم وانضموا إلى إخوانهم في العربية الجنوبية, فصار لهم فيها شأن كبير, حتى ذُكروا في النصوص، ومنها نصوص أبرهة.
ومعاش الحضر على الأرض, يزرعونها ويعيشون عليها، أو على التجارة أو على الحرف اليدوية ونحوها، ومن طبيعة أهل الحضر الاستقرار في أرض تكون وطنًا ثابتًا لهم، ومقامًا يقيمون فيه فيحبونه ويموتون في سبيله. أما أهل الوبر، فهم رحل، يتنقلون طلبًا للماء والكلأ والامتيار، فموطنهم متنقل قلق غير مستقر, الأرض كلها وطنهم، ولكنها الأرض التي يكونون فيها, فإذا ما ارتحلوا عنها، صارت الأرض الجديدة وطنًا لهم جديدًا. أما الأرض القديمة فتكون وطنًا لمن يحل فيها من طارئ جديد أو طارئ قديم.
والمشهور عند العرب وعند الأعاجم، أن العرب قوم يكرهون الزراعة والاشتغال
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 278