نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 276
مثل وهب المذكور ومحمد بن كعب القرظي، فرأيي أن كل لغات العرب الجاهلية هي لغات عربية، وأنها كانت متباينة عديدة، وبعضها لغات وصلت مرحلة التدوين مثل المعينية والسبئية والقتبانية والحضرمية وغيرها، ولغات تصل إلى درجة التدوين عند المتكلمين بها، لا يمكن أن تعد لغات سوقة ولهجات عامة.
وبعد, فلست أرى أن بين "يعرب" المزعوم، وبين لفظة "العربية" والعرب أية رابطة أو صلة، وأن الصلة المزعومة المذكورة التي يذكرها أهل الأخبار في تفسير اللفظة، هي صلة خلقت خلقًا وصنعت صنعًا؛ لكي يجد صانعوها لهم مخرجًا في تفسيرها، وليس تفسيرهم هذا هو أول تفسير أوجدوه، فلدينا مئات من التفاسير المصنوعة، لألفاظ أشكل أمرها على الرواة وأهل الأخبار، فوضعوا لها تفسيرات على هذا النمط، ليظهروا أنفسهم مظهر العالمين بكل شيء.
هذا وقد قلنا: إن العربية هي بمعنى الأعرابية، أي: البداوة في لغة الأعاجم وفي لغات أهل جزيرة العرب أنفسهم، وهي نسبة إلى العرب، والعرب هم الأعراب في البدو في لغات المذكورين. فتكون العربية إذن بمعنى عربية الأعراب, أي: لغة أهل الوبر، وقد نسبت إليها، لا إلى يعرب بن قحطان. وهي بالطبع لم تكن لهجة واحدة، أي عربية واحدة، بل كانت لهجات, قيل لها عربية؛ لأن الأعراب وإن كانوا قبائل، تجمع بينهم رابطة واحدة هي رابطة البداوة, فكأنهم طبقة واحدة، تقابلهم طبقة "أهل المدر" وهم الحضر؛ لذلك نعت لسانهم بلسان عربي. ولما كانت البداوة أعم من الحضارة في بادية الشام وفي طرفي الهلال الخصيب ونجد والحجاز والعربية الشرقية، صار لسانها اللسان الغالب في هذه الأرضين، وبلسانها نظم الشعراء شعرهم، وبلسان عرب الحجاز نزل القرآن الكريم، فصار لسانهم لسان الوحي والإسلام.
ومن ثَمَّ صار اعتماد أوائل علماء العربية في دراستهم لقواعد اللغة من نحو وصرف ومن استشهاد بشواهد على "العرب"، أي أهل الوبر من أبناء البادية، من الأعراب المعروفين بصدق لسانهم وبصحة أعرابيتهم وبعدم تأثر ألسنتهم بألسنة الحضر من أهل الحواضر, بل لم يكتف أولئك العلماء بألسنة هؤلاء الأعراب القادمين عليهم من البوادي، لأسباب لا مجال لذكرها هنا، فركبوا إبلهم وذهبوا بأنفسهم إلى صميم البوادي البعيدة عن الحضر؛ ليأخذوا اللغة صافية نقية من أفواه رجالها الأصلاء الذين لم يتعلموا خدع أهل الحاضرة وغشهم وكذبهم، ولم تنحرف
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 276