نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 13 صفحه : 270
ذلك في الغالب، وهي بأسعار عالية، ارتاد هو البحر الأحمر، ومنه المحيط الهندي إلى سواحل إفريقية أو سواحل العربية الجنوبية أو الهند فما وراءها، يشتري من موانئها وأسواقها ما يريد، بأسعار رخيصة جدًّا بالقياس إلى تلك الأسعار التي كانت يدفعها للتجار الموردين في أسواق مصر أو أسواق بلاد الشأم، فاستفاد هو، واستفادت حكومته منه، وخسر التجار العرب بوصول هؤلاء التجار إلى تلك الأسواق ومنافستهم لهم خسائر فادحة، أوجدت خللًا في الحياة الاقتصادية للدول العربية، وضررًا عامًّا في جميع نواحي الحياة الأخرى.
وطالما تشكى الرومان واليونان من فداحة الأرباح والضرائب التي كان يفرضها التجار العرب على البضائع المرسلة إليهم، والتي كانوا يحتاجون إليها ويشترونها بأي ثمن كان. وقد ذكر "سترابون" الجغرافي الشهير في جملة الأسباب التي حملت القيصر "أغسطس" على إرسال حملته الشهيرة، هو ثراء أهل تلك البلاد، وحصولهم على أرباح مفرطة من الغرباء وفي ضمنهم الرومان واليونان من اتجارهم معهم، ومن تحكمهم في وضع الأسعار، دون أن يعطوا أولئك التجار والبلاد التي يحملون تجارتهم إليها شيئًا[1].
وقد كان للأحداث السياسية، في الامبراطوريتين الرومانية واليونانية أثرًا كبيرًا في حالة الملاحة في البحر الأحمر والمحيط الهندي. ففي أيام الفتن والاضطرابات وحدوث القلاقل، لم يكن في وسع أصحاب السفن الرومان أو اليونان التوغل في البحار البعيدة عن مناطق نفوذ الانبراطوريتين، لضعف وسائل حماية السفن التجارية وحماية التجار والمستعمرات العديدة المقامة على السواحل. ولهذا نجد "سترابو" يذكر أنه قبل أيامه لم تكن هنالك سفن كثيرة تجتاز البحر الأحمر، فقد كان كل ما يرسله الرومان من السفن لا يزيد على العشرين سفينة، تجتاز هذا البحر، فتصل إلى ما وراءه في المحيط[2].
وأخذ التجار اليونان والرومان يقصدون سواحل أفريقية وبلاد العرب والهند، ويقيمون في موانئها للاتجار، وقد عثر على نقود يونانية ورومانية في مواضع متعددة من هذه السواحل، كما عثر فيها على آثار معابد ومباني تشير إلى أصل يوناني [1] راجع الترجمة المنشورة في مجلة المجمع العلمي العراقي "2/ 763"، "1952م". [2] Strabo, 17, I, 13.
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 13 صفحه : 270