responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 1  صفحه : 277
ولا يزال العربي الصريح ينظر إلى الحِرَف والمِهَن نظرة ازدراء، وإلى المشتغل بها نظرة احتقار وعدم تقدير.
والبدوي، لا ينسى المعروف، ولكنه لا ينسى الإساءة كذلك، فإذا أُسيء إليه، ولم يتمكن من ردّ الإساءة في الحال، كظم حقده في نفسه، وتربّص بالمسيء حتى يجد فرصته فينتقم منه. فذاكرة البدوي ذاكرة قوية حافظة لا تنسى الأشياء.
فنرى من هذه الملاحظات أن كثيرًا من الطباع التي تطبّع بها عرب الجاهلية ما زالت باقية، وبينها طباع نهى عنها الإسلام وحرّمها، لأنها من خِلَال الجاهلية، ومع ذلك احتفظ بها البدوي وحافظ عليها حتى اليوم، وسبب ذلك أن من الصعب عليه نبذ ما كان عليه آباؤه وأجداده من عادات وتقاليد. فالتقاليد والعُرف وما تعارفت عليه القبيلة هي عنده قانون البداوة. وقانون البداوة دستور لا يمكن تخطيه ولا مخالفته، ومن هنا يخطئ من يظن أن البداوة حرية لا حدّ لها، وفوضى لا يَرْدَعُها رادع، وأن الأعراب فرديون لا يخضعون لنظام ولا لقانون على نحو ما يتراءى ذلك للحضري أو للغريب. إنهم في الواقع خاضعون لعرفهم القبلي خضوعًا صارمًا شديدًا، وكل من يخرج على ذلك العرف يطرد من أهله ويتبرأ قومُه منه، ويضطر أن يعيش "طريدًا" أو "صعلوكًا" مع بقية "صعاليك".
العرب والعربي رجل جاد صارم، لا يميل إلى هزل ولا دُعَابة، فليس من طبع الرجل أن يكون صاحب هزل ودُعَابة، لأنهما من مظاهر الخفة والحمق، ولا يليق بالرجل أن يكون خفيفا. ولهذا حذر في كلامه وتشدد في مجلسه، وقلّ في مجتمعه الإسفاف. وإذا كان مجلس عام، أو مجلس سيد قبيلة، رُوعِي فيه الاحتشام، والابتعاد عن قول السخف، والاستهزاء بالآخرين، وإلقاء النكات والمضحكات، حرمة لآداب المجالس ومكانة الرجال.
وإذا وجدوا في رجل دُعابة أو ميلًا إلى ضحك أو إضحاك، عابوا ذلك الرجل وانتقصوا من شأنه كائنا من كان، وعبارة مثل "لا عيب فيه غير أن فيه دعابة" أو "لا عيب فيه إلا أن فيه دعابة"، هي من العبارات التي تعبّر عن الانتقاص والهمز واللمز.
والبدوي محافظ متمسك بحياته وبما قُدّر له، معتزّ بما كُتب له وإن كانت

نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 1  صفحه : 277
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست