responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 1  صفحه : 278
حياته خشونة وصعوبة ومشقة. ومن هذه الروح المسيطرة عليه، بقي هو هو، لا يريد تجديدًا وتطويرًا، إلا إذا أُكره على التجديد والتغيير والتبديل، فهنا فقط يخضع لقانون "القوة"، وهو لا يسلم له إلا بعد مقاومة، وإلا بعد شعوره بضعفه وبعدم قابليته على المقاومة، فيتقبل الأمر الواقع مستسلمًا، ومع ذلك يبقى متعلقًا بما فيه، يحاول جهد إمكانه التمسك به، ولو بإلباسه ثوبًا جديدًا، وفي القرآن الكريم آيات بينات فيها تقريع وتعنيف للأعراب، ووصف لحياتهم النفسية، فيها أن الأعرابي محافظ لا يقبل تجديدًا، ولا يرضى بأي تغيير كان لا يتفق وسنّة الآباء والأجداد، ومنطقة في ذلك: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [1]، {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [2].
ولهذا لا نجد البدو يؤمنون بسنة التقدم والنشوء والارتقاء. فالبدوي يعيش أبدا كما عاش آباؤه وأجداده، مساكنه بيوت الشعر، وهي لا تحميه ولا تقيه من أثر أشعة الشمس المحرقة ولا من العواصف والأمطار، ومع ذلك لا يستبدلها بيتًا آخر، ولا يفكر في تحسين وضعه وتغيير حاله: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} . وليس من الممكن أن تقوم في هذه البادية ثقافة غير هذه الثقافة الصحراوية الساذجة، ما دام البدوي مستسلمًا مسلمًا نفسه للطبيعة ولحكم القدر، وهو استسلام اضطر إلى الخضوع له والإيمان بحكمه، بحكم عمل الطبيعة القاسية فيه منذ آلاف السنين.
وكيف يغيّر حاله، وليس في البادية ما يساعده على تغيير الحال، ليس فيها ماء كافٍ ولا شجر نامٍ ولا أمطار وخضرة، فهو يعيش على كرم الطبيعة ورحمتها. أما إذا تكاثر عدده، وزاد عدد خيام القبيلة، اضطرت إلى التنقّل إلى مكان آخر، أحسن وأنسب من المكان القديم. وهكذا صار دائمًا في تنقّل من مكان إلى مكان.
وتحمس الأعراب وأشباه الحضر في دفاعهم عن العُرف، ليس عن بلادة وغباء وشعور بضعف في الكفايات، كلا فللبدوي ذكاء وقّاد وفطنة وكفاية وموهبة، وهو إذ يقاوم التغير والتبدل والتجدد، لا يقاومه عن غباء وبلادة

[1] المائدة، الآية: 104.
[2] الزخرف، الآية 23.
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 1  صفحه : 278
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست