نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 198
الثانية قبل الميلاد، فدخوله من البوادي إلى العراق هو دليل على أن العرب كانوا قد استخدموه أولًا ومنهم انتقل إلى العراق والبلاد الأخرى[1].
ويرى "إلبريت" أن البداوة الحقيقية على نحو ما نعرفها اليوم من السكنى في البوادي والتنقل فيها من مكان إلى مكان، لم تظهر في جزيرة العرب إلا في أواخر النصف الثاني من الألف الثانية قبل الميلاد، وذلك بتذليل الإنسان للجمل وبترويضه له لخدمة أغراضه، ففتح له بذلك أبواب البوادي، وتمكن من التوغّل فيها واجتيازها بفضل جمله خادمه المطيع. أما ما قبل الجمل؛ فقد كان العربي لا يستطيع اجتياز البوادي واختراقها لأن حماره الذي كان واسطة الركوب عنده، لا يتحمل ولوج البادية، ولا يستطيع أن يعيش فيها، وأن يصبر عن شرب الماء أو الأكل صبر الجمل؛ لذلك كان عرب الجزيرة في الألف الثانية، وقبل وقت تذليل الجمل رعاة في الغالب، وسائط ركوبهم الحمير، ولم يكونوا قد طرقوا البوادي أو توغّلوا فيها توغّل العرب أصحاب الوبر فيما بعد[2]. فالجمل إذن هو الذي فتح لأهل جزيرة العرب آفاق البوادي، ووسع البداوة عندهم، حتى جعلها علمًا خاصًا يقابل عالم الحضارة في الجزيرة. وهو الذي صار أهم واسطة لنقل الأموال بالطرق البرية الطويلة التي تربط أجزاء الجزيرة بعضها ببعض، وتربط طرق الجزيرة مع الطرق الخارجية. وبفضل الجمل القادر على تحمل العطش والصبر على الجوع، وعلى تحمل الصعاب صار في إمكان العرب التنقل إلى مسافات بعيدة من الجزيرة وحمل أثقاله معه. فاستخدام العرب له هو في الواقع ثورة كبيرة في ذلك العهد بالنسبة على وسائط النقل والحمل وفي عالم التجارة والاقتصاد. ومن حق العربي إذا ما عبّر عن الغنى أن يعبر بكثرة ما عند الإنسان من إبل.
وقد عرف الجمل بوجود غريزة الانتقام فيه، وبعدم نسيانه أذى من يؤذيه؛ لذلك زعم أنه يبقى حاقدًا على المسيء إليه حتى ينتقم منه ولو بعد زمن طويل. ويظن أن لتفسير اشتقاق اسمه دخلًا في ظهور هذه الفكرة، فقد فسرت لفظة الجمل بأنها من فعل "كَمَلَ" "جَمَلَ" كامل" "جامل"، أي انتقم، مع أنها تعني "حَمَلَ" أيضًا. وقالوا إن معنى "الجمل" "المنتقم"، [1] BASOR, uum. 160, 1960, P. 42 [2] Recoveries, P. 87.
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 198