نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 114
أبسط قواعد المنطق، وما رُمي "ابن الكلبي" بالكذب أو نظر إليه نظرة ازدراء لكونه من رواة أخبار الجاهلية؛ بل وثق في هذه الناحية وأخذ عنه دون ردّ أو اعتراض، كما يتبين ذلك من اعتماد العلماء عليه في هذا الباب وإشارتهم إليه؛ وإنما ضعف في أمور أخرى هي أمور إسلامية لا علاقة لها بالجاهلية ولا صلة لها بها البتة، مدوّنة في كتب التفسير والحديث.
ولو كان الإسلام قد حثّ على طمس أخبار الجاهلية أو إطفاء ذكر الأصنام والأوثان، لما كان في وسع "ابن الكلبي" ولا غيره التحدث عنها والإشارة إليها، ولما أخذ العلماء عنه ورووا كتبه وتوارثوا كتاب "الأصنام"، بل القرآن نفسه حجّة في ردّ هذا الزعم؛ ففيه ذكر لرءوس أصنام العرب، وفيه مفصل حياة أهل الجاهلية ومثلهم ما كانوا يقومون به، ولو شرًّا وباطلًا، وروت كتب التفسير وكتب الحديث والسير والأخبار أوصاف بعض أصنام العرب وهيأتها وشكل محجاتها وأوقات الحج، كما ذكرت ما أقر الإسلام من أمور كانت قائمة في الجاهلية وما حرم منها، ولو كان الإسلام قد تعمد طمس الجاهلية والقضاء على معالمها؛ لتحرج القرآن وتحرج المسلمون من الإشارة إليها ومن إحياء أسمائها وبعثها في ذاكرة الناشئين في الإسلام.
وقد تحدث "ابن النديم" في كتابه "الفهرست"، في المقالة الثالثة التي خصصها "في أخبار الأخباريين والنسّابين وأصحاب الأحداث"، عن "ابن الكلبي" وعن أبيه، كما تحدث عن غيره من مشاهير العلماء من أمثال "عوانة ابن الحكم" و "ابن إسحاق" صاحب السيرة، و "أبي مخنف" و "الواقدي" و "الهيثم بن عدي" و "أبي البختري" و "المدائني" و "محمد بن حبيب" وغيرهم ممن ألف في أمور وقعت قبل الإسلام في أمور وأحداث إسلامية محضة، وقد ضعف بعضهم، مع أنهم لم يؤلفوا في أمور تخص الجاهلية ولا في أحداث وقعت قبل عام الفيل أو قبل الإسلام، وأطلقت عليهم لفظة "أخباري" أو "وكان أخباريًّا"؛ مع أنهم لم يكتبوا إلا في أخبار قريبة من الإسلام أو في أحداث إسلامية بحتة، فلفظة "أخباري" إذن لم تكن قد عُلمت بالشخص الذي تخصص برواية أخبار الجاهلية الواقعة قبل عام الفيل فقط، بل قصد بها هؤلاء وكل من اشتغل برواية الأخبار مهما كانت صفتها وعادتها وطبيعتها، روى تاريخ ما قبل الفيل أو ما بعد الفيل إلى الإسلام، أو أخبار الإسلام.
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 114