نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 113
الرّاوين له، المتشهدين به[1]. وكان "عمر" من العالمين بذلك الشعر الحافظين له البصيرين به[2]. وكذلك كان شأن كثير من الصحابة. لم يذكر أحد أنهم تحرجوا من روايته وإنشاده، وأنهم تهيبوا منه؛ إلا ما ذكرته من إحجامهم عن رواية بعض منه، وهو قليل جدًّا، لأسباب ذكرتها، وقد رووه مع ذلك ودوّنوه.
لقد حرم الإسلام أشياء من الجاهلية وأقرّ أشياء أخرى نصّ عليها في الكتاب والسنة[3]، ولم يرد أنه حرم أقلام الجاهلية أو الشعر الجاهلي أو النثر الجاهلي أو أي أدب أو علم جاهلي، ولم يصل إلى علمنا أنه أمر بهدم المباني الجاهلية وطمس معالمها، حتى محجات الأصنام بقيت على حالها، خلا الأصنام والأوثان وما يتعلق بها من أمور مما كان من صميم الوثنية أو كانت له علاقة بإعادتها إلى الذهن مثل التصوير. ولم نسمع أنه أمر بإتلاف كتابات الجاهلية، أو أنه نهى عن قراءتها والاستفادة منها، أو أنه منع استعمال اللهجات الأخرى، التي كان يستعملها الجاهليون، أو أن علماء الإسلام منعوا رواية أخبار الجاهلية، بل الذي نسمعه ونراه أن "ابن عباس" كان يستشهد بالشعر الجاهلي في تفسير القرآن، وبقية الصحابة يروونه ويحفظونه، وأن خلفاء بني أمية كانوا يدفعون الهدايا والجوائز لمن يروي لهم الشعر الجاهلي، ونرى أنهم كانوا يقضون لياليهم برواية أخبار الجاهلية وحالتهم فيها، وما وقع لهم في تلك الأيام من نادر وطريف، وقد سجل ما بقي منه في الذهن في كتب الأخبار والأدب، يوم شرع الناس في التدوين.
وأما أنهم كانوا ينظرون إلى "الأخباري" نطرة سيئة، فيها شيء من ازدراء وعدم التقدير، فما كان ذلك لروايته أخبار الجاهلية واشتغاله بجمع تأريخها والتحدث عنها، وما كانوا يريدون بلفظة "أخباري" راوي أخبار الجاهلية وحدها في أي يوم من أيام التأريخ الإسلامي؛ وإنما كان ذلك لإغراب الأخباريين في رواية الأخبار ومبالغتهم فيها مبالغة تجافي العقل، وسردهم الإسرائيليات والنصرانيات والشعبيات وغير ذلك من القصص المدونة في الكتب، وكذب بعضهم كذبًا يخالف [1] ابن سعد "6/ 57"، أبو بكر الصولي، أدب الكتاب "ص190". [2] الأغاني "8/ 199"، خزانة الأدب: للبغدادي "2/ 292"، العقد الفريد "6/ 93" وما بعدها"، البيان والتبيين "1/ 239 وما بعدها"، الشعر والشعراء "1/ 93". [3] المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي "1/ 393".
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 113