هذا الموقف لا يمكن أن يفهم إلا في ضوء مكانة قريش بين العرب من ناحية، وفي ضوء علاقات ثقيف بقريش من ناحية. فمكانة قريش الممتازة بين العرب وزعامتها ليست محل نزاع، وبناء على ذلك فإن أية قبيلة تقترب من النبي صلّى الله عليه وسلم في مرحلة الصراع بينه وبين قريش، كان يعتبر ذلك عداء مكشوفا لقريش، فإذا آمنت به وآزرته فإنها الحرب الصريحة لا محالة، ولم يكن أحد من العرب- لا ثقيف ولا غيرها- راغبا في أن يدخل مع قريش لا في عداء ولا في حرب. وقد يتميز موقف ثقيف عن غيرها من العرب في هذه الناحية بعلاقاتها القوية مع قريش، وكانت هذه العلاقات متعددة ومتنوعة، فيوجد بين مكة؛ حيث تسيطر قريش، وبين الطائف؛ حيث تسيطر ثقيف- أكثر من وجه للشبه، فإذا كانت مكة هي قلعة الوثنية في بلاد العرب؛ فإن الطائف مركز من مراكزها، وإذا كانت مكة مدينة تجارية؛ فإن الطائف مدينة تجارية زراعية صناعية، وكانت تصرف منتجاتها في مكة، وفي الأسواق الواقعة بينهما «وكان تجار مكة يجلبون من الطائف الخمور والزبيب والأدم (الجلود المدبوغة) ، وكان أهل مكة يستهلكون كثيرا من أعناب الطائف ورمانها، كما أن الثقيفيين كانوا يشاركون في قوافل مكة التجارية» [1] . وفوق ذلك فقد كانت هناك كثير من المصاهرات بين قريش وثقيف [2] وكان معظم أغنياء مكة يملكون دورا وعقارات في الطائف ويقضون الصيف بها، بل كان هناك قرشيون يعيشون في الطائف بصفة دائمة [3] . كما كانت القبيلتان تتشاوران في الأمور الخطيرة، وتتبادلان الرأي [4] .
مما سبق يتضح لنا أن العلاقات والمصالح المشتركة، جمعت بين المدينتين ووحدت بين مواقفهما، فلما بعث النبي صلّى الله عليه وسلم وعارضته قريش، بل تزعمت معارضته؛ كانت حريصة على أن تضمن ولاء أصدقائها للوقوف معها في وجه النبي صلّى الله عليه وسلم الذي رأت- لقصر نظرها- أن رسالته تهدد مصالحها، ولذلك يلمح الإنسان نوعا من توحيد المواقف. فقولهم جميعا كما يقص القرآن الكريم: وَقالُوا* [1] أحمد إبراهيم الشريف- مكة والمدينة في الجاهلية وعصر الرسول، (الطبعة الثانية، القاهرة: دار الفكر العربي) (ص 147) . [2] ابن هشام- المصدر نفسه (3/ 361) . [3] ياقوت معجم البلدان (4/ 9) أحمد إبراهيم الشريف- المرجع نفسه (ص 147) . [4] ابن هشام- المرجع نفسه.