حتى يروى أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال وقد روي له بعض شعر أمية: «أمية آمن شعره وكفر قلبه» [1] ؛ لأن الرجل رغم عزوفه عن عبادة الأوثان وإيمانه بالبعث إلا أنه لم يؤمن بالنبي صلّى الله عليه وسلم حينما جاءته رسالة التوحيد؛ لأن الحسد أكل قلبه على النبي صلّى الله عليه وسلم [2] ، شأن الكثيرين- سواء في مكة أو الطائف- من الذين حسدوه صلّى الله عليه وسلم على النبوة وكانوا يرون أنفسهم أحق بها، ولكن الله تعالى رد عليهم أبلغ رد بأن النبوة هبة من الخالق يهبها لمن يشاء من عباده، فعندما قالوا: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31] ، قال: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ [الزخرف: 32] .
«وللحسد والتنافس والتنازع في هذه النفوس البدوية من عميق الأثر ما يخطئ الإنسان إذا هو حاول الإغضاء عنه أو لم يقدره حق قدره» [3] . وقد أعمى الحسد بصائرهم عن إدراك الحقيقة، فأمية بن أبي الصلت- الذي كان يبشر في شعره بدين جديد- دفعه الحسد لأن يتخذ من النبي صلّى الله عليه وسلم موقفا معاديا، فلم يؤمن به، بل أكثر من ذلك أظهر تعاطفه مع قريش، حتى إنه حزن على قتلاها في بدر ورثاهم بشعر كثير [4] .
معنى ذلك أن صدى الدعوة أخذ يتردد في الطائف منذ وقت مبكر، فالمسافة بين مكة والطائف ليست طويلة، والركبان لا تنقطع بين المدينتين لتشابك المصالح وترابط العلاقات، فكل ما يحدث في مكة- وبصفة خاصة إذا كان أمرا كالدعوة الإسلامية- لابد أن يكون له صدى في الطائف، ولكن رغم ذلك فإن المصادر لا تحدثنا عن ميل أحد من أهل الطائف إلى الإسلام من ناحية، ولم تحدثنا كذلك عن موقف عدائي إيجابي ضد النبي صلّى الله عليه وسلم قبل أن يتصل بهم في رحلته المشهورة إليهم، والتي كانت في العام العاشر للبعثة.
والذي يبدو لنا أن أهل الطائف اعتبروا أمر النبي صلّى الله عليه وسلم ودعوته في مكة، أمرا داخليّا يخص قريشا وحدها، ولم يشاؤوا أن يقحموا أنفسهم في هذا الأمر، ولكن إذا جاز لنا أن نتعرف على أسباب وقوف الطائف هذا الموقف من دعوة النبي، فإن [1] محمد حسين هيكل- حياة محمد، الطبعة السابعة، (القاهرة: دار القلم) (ص 75) . [2] جواد علي- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، (الطبعة الأولى، بيروت: دار العلم للملايين) (9/ 753) . [3] محمد حسين هيكل- المرجع نفسه (ص 176) . [4] ابن هشام- المصدر نفسه (2/ 401) وما بعدها، جواد علي- المرجع السابق (9/ 753) .