* حرب الخليج الثانية:
من سوء حظ العرب والمسلمين أن المخططات الغربية الشيطانية لإبقائهم ضعفاء فقراء متخلفين تجد من زعماء العرب والمسلمين- جهلا وحمقا، لا عمالة أو خيانة- من يساعد الغرب على تنفيذها، ومن النماذج الصارخة على ذلك حماقة التدخل المصري في اليمن (1962 م) فلا شك أن تلك كانت مغامرة كبرى غير محسوبة بالمرة من جمال عبد الناصر، فقد كانت فخّا من فخاخ الغرب الخطيرة لاستدراج مصر إلى اليمن وتوريطها في حرب طويلة ومريرة ليحطم الجيش المصري، بل ليموت عبد الناصر نفسه في سفوح جبال اليمن وينتهي دوره كقيادة عربية وطنية ذات نفوذ طاغ وشعبية لم يتمتع بها حاكم عربي منذ صلاح الدين الأيوبي، ولا شك أن الأمة العربية كانت تعلق على ذلك البطل آمالا كبارا، وكان قادرا على تحقيق آمال أمته، لو كان أكثر خبرة وتجربة وأكثر تعقلا في اتخاذ قراراته، فلا يستطيع أحد حتى من أعدائه أن يشكك في وطنيته وحبه الخير لأمته، لكنه الجهل بالسياسة الدولية وتعقيداتها وتداخلاتها، أو الاستبداد بالرأي، كل ذلك دفعه إلى اتخاذ ذلك القرار المدمر، والذي كان من نتائجه المباشرة والمدمرة أيضا، الهزيمة المروعة في سنة (1967 م) ، وكانت تلك أيضا حماقة أخرى من حماقاته، وقرارا من أسوأ قراراته وأخطرها، فكل الشواهد، بل تقارير المخابرات العسكرية المصرية منذ أواخر سنة (1966 م) ، وبداية سنة (1967 م) حسب ما نشر كثير من القادة المصريين في مذكراتهم ومنهم- محمد عبد الغني الجمصي- كانت تحذره من الدخول في حرب مع إسرائيل؛ لأن الجيش المصري ليس مستعدّا لذلك، خاصة وأن نحو ثلث ذلك الجيش كان في ذلك الوقت لا يزال يكابد حربا عقيمة بدون نهاية معروفة في سفوح جبال اليمن ووديانة وكثير من أصدقاء مصر العالميين ومنهم ذو الفقار علي بوتو ويوجين بلاك وغيرهم، نبهوه وحذروه بأن هناك نية في الغرب لاصطياده وتحطيمه، بل القضاء عليه وأسموه الديك الرومي- وذلك حسب ما ذكر صديقه ومؤرخ عصره الأستاذ محمد حسنين هيكل [1] - ولكن رغم كل ذلك مضى في طريقه وأشعل الأزمة- أزمة خليج العقبة ومرور السفن الإسرائيلية فيه- [1] انظر كتاب الانفجار سنة (1967 م) - محمد حسنين هيكل (ص 303) وما بعدها مركز الأهرام للطبع والنشر (1411 هـ/ 1991 م) .