الهيمنة السوفيتية على هذه الكتلة وتمرد عليها وتخلص منها مبكرا، وأصبح واحدا من أقطاب حركة عدم الانحياز، غير أن تلك الحركة لم تستطع المحافظة على شعارها- وهو عدم التحايز إلى أي من الكتلتين المتصارعتين- قط، فالمصالح والأيدلوجيات، كانت تجذب هذه الدولة أو تلك إلى الكتلة التي تحقق لها مصالحها، ومن أبرز الأمثلة على ذلك «كوبا» ، التي تعد من أبرز دول كتلة عدم الانحياز، إلا أنها لم تخف أبدا انحيازها إلى الاتحاد السوفيتي في تلك الفترة، الأمر الذي جعلها في عداء دائم مع جارتها القريبة، الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن جمال عبد الناصر أحد المؤسسين للحركة، لم يستطع أبدا أن يكون غير منحاز بالمعنى الذي تفرضه الحركة، وكان الامتحان العسير له في ذلك عند ما اجتاحت القوات السوفيتية تشيكوسلوفاكيا سنة (1968 م) فيما يسمى بربيع براغ، وطلب منه صديقه وزميله في قيادة الحركة تيتو أن يندد بهذا الاجتياح أو حتى ينتقده، لكن عبد الناصر لم يستطع أن يفعل ذلك لضرورات سياسية قدّرها وقتها، فقد كان خارجا لتوه من هزيمة سنة (1967 م) القاسية، وكان في حاجة إلى الدعم العسكري والسياسي من الاتحاد السوفيتي، فلم يستطع أن يندد ولا أن ينتقد، وهذا الموقف تسبب في جفوة بينه وبين صديقه الحميم تيتو، لكنه كان من الموقف أو الأمثلة التي برهنت على أن المصالح أقوى من المبادئ ولها الأولوية عليها.
هذه بعض الأمثلة على اختراق الاتحاد السوفيتي لحركة عدم الانحياز ونفوذه داخلها، فماذا عن الولايات المتحدة وكتلتها الغربية؛ لا شك أن هذه الكتلة كان تأثيرها أكبر وأخطر على دول عدم الانحياز وبصفة خاصة على الدول العربية والإسلامية داخل تلك الحركة. وذلك بحكم القوة الهائلة والثروة الكبيرة التي تتمتع بها هذه الكتلة الغربية والنفوذ الطاغي في الميادين الدولية على المؤسسات السياسية والمالية، مثل مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ... إلخ وكل الدول تحتاج إلى هذه المؤسسات، ومن يخرج على إرادة أمريكا وحلفائها، فالويل له ثم الويل، بل وحتى قبل قيام حركة عدم الانحياز سنة (1961 م) استطاعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون أن تجنّد كثيرا من الدول الإسلامية لخدمة مصالحها وتحقيق أهدافها في صراعها مع الكتلة السوفيتية الشيوعية، وقد استثمرات العداء العقائدي بين الإسلام والشيوعية، كمذهب إلحادي ينكر وجود الله عزّ وجلّ، ونجحت في تخويف الدول الإسلامية، وبصفة خاصة المتاخمة