الناس، وحين يسأله علوي عن هذا التفضيل ولا يفضل عليّا، يقول له العلوي: والله لا أجالسك أبدا، فيقول له مالك: فالخيار لك» ا. هـ.
ويقول في موضع آخر [1] : «يمكن القول: إن مالكا كان ذا ميل سياسي هادئ للأمويين- يقصد الدولة الأموية الكبرى في المشرق- هذا مالك مع أموي المشرق وأما الداخلون منهم إلى الأندلس بعد سقوط دولتهم بالمشرق، فقد أشرنا قبل الآن إلى أن للإمام مالك ميلا واضحا إليهم، وأنه تمنى أن يزيّن الله الحرم بمثل عبد الرحمن- الداخل- وتتكرر الحكاية عن هشام بن عبد الرحمن الذي كان يتشبه بعمر بن عبد العزيز، وأن مالكا قال فيه مثل الذي قال في أبيه من التمني، وقد تجاوب الأمويون مع مالك، فتعصبوا لعلمه تعصبا قويّا حين جاء الراحلون من الأندلسيين به إلى بلادهم، وأخذ هشام المذكور الناس جميعا بالتزام مذهب مالك وصيّر القضاء والفتيا عليه في حياة مالك نفسه ... وحين أدخل قوم من الرحالين إلى الأندلس شيئا من مذهب الشافعي وأبي حنيفة وداود الظاهري، لم يتمكنوا من نشره، فمات بموتهم على اختلاف أزمانهم ... وكذلك أميت ما كان بالأندلس من علم- في مجال الفقه- غير علم مالك من قبله كعلم الأوزاعي، الذي كان أسبق إلى الأندلس من فقه مالك كذلك عمل الترغيب في نشر علم مالك إذ كان يحيى ابن يحيى مكينا عند الأمويين ولا يولّى قاض إلا بمشورته، وهو لا يشير إلا بأصحابه ومن على مذهبه، وكما قالت الرواية القديمة نفسها: الناس سراع إلى الدنيا فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم منه» ا. هـ.
ولكن رغم هذا النفوذ الكبير الذي تمتع به علماء المالكية في الأندلس فإن أمراء بني أمية كانوا يتدخلون عندما تدعو الضرورة إذا تجاوز هذا النفوذ حده في الحجر على الأفكار الآخرى ومصادرتها وغلق الساحة الفقهية على فقههم وحده. فعندما أحضر أحد علماء الأندلس- وهو بقي بن مخلد- مصنف أبي بكر بن أبي شيبة من المشرق في رحلته العلمية وقرئ في الأندلس أنكر عليه علماء المالكية ذلك [2] ، بل شنعوا عليه، وسلطوا العامة عليه، ومنعوه من قراءته مع أن الكتاب ليس كتابا في الزندقة والإلحاد ولكنه مصنف في الحديث والفقه يحمل أفكارا قد تخالف ما عليه المالكية لذلك وقفوا ضده بقوة، ليس إلا لإثبات الهيمنة على الساحة الفقهية، فلما [1] المرجع السابق (ص 294، 295) . [2] راجع القصة في الضبي، بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس (ص 15) .