تتحدث كل المصادر القديمة والمراجع الحديثة التي أرخت لحياة أمراء وخلفاء بني أمية في الأندلس مجمعة على أنهم كانوا في معظمهم علماء وأدباء وفقهاء وشعراء، الأهم من هذا أنهم كانوا مشجعين كبارا للعلم والعلماء [1] ، مولعين بجمع الكتب- ولعا قل أن تجد له نظيرا- في سبيل الحصول عليها، واحترامهم للعلماء أشادت به كل المصادر والمراجع.
وقد سلكوا في سبيل النهوض بالأندلس والوصول بها إلى أعلى مراتب الحضارة نفس الطرق التي تسلكها الآن الدول التي تحاول اللحاق بركب الدول المتقدمة التي تملك ناصية العلم والقوة بكل ما تحمل كلمة القوة من معنى، فهذه الدول الآن- وبصفة خاصة الدول العربية- في سعيها الدؤوب نحو التقدم تسلك ثلاث طرق رئيسية:
أولا: بعث أبنائها إلى الدول المتقدمة مثل أمريكا وأوربا لتحصيل العلم والعودة إلى بلادهم مزودين بكل جديد قدر استطاعتهم.
ثانيا: استقدام علماء من الدول المتقدمة كأساتذة زائرين لتعليم أبنائهم في موطنهم الأصلي.
ثالثا: محاولة ترجمة كل جديد في مختلف العلوم إلى اللغة العربية ليكون في متناول أيدي أبنائها، وهذه الطرق ذاتها سلكها الأمويون عند ما قامت دولتهم في الأندلس سنة (138 هـ- 756 م) . فقد كانوا على وعي كامل بكل الظروف المحيطة بدولتهم، سواء في القارة الأوربية، أو في محيط العالم الإسلامي الفسيح الأرجاء، وأدركوا أنهم بدون قوة عسكرية لا تدوم لهم دولة فالأعداء كثر ومتربصون دائما، فحاولوا- ونجحوا- في تحقيق قوة عسكرية برية وبحرية- كما سبقت الإشارة- حافظت على كيان دولتهم طالما وجد القائد التاريخي البطل الذي يستطيع استثمار تلك القوة، في الحفاظ على أمن وسلامة الدولة، وأدرك الأمويون في الوقت نفسه أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي لبناء المجد بل لا بد من العلم، [1] يكفي أن نشير هنا إلى أنموذج من هذه المصادر والمراجع، مثل ابن الفرضي- تاريخ علماء الأندلس، والضبي- بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس، وابن بشكوال- كتاب الصلة، وابن بسام- الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، والمقري- نفح الطيب، ومن المراجع الحديثة مؤلفات العلامة رينهرت دوزي، والأستاذ ليفي بروفنسال وخوليان ريبيرا، وجوستاف لوبون، والدكتورة سيجريد هونكه، والأستاذ محمد عبد الله عنان، ود/ حسين مؤنس، ود/ عبد الرحمن علي الحجي، ود/ السيد عبد العزيز سالم، ود/ أحمد مختار العبادي.. والقائمة طويلة، ولا نريد الإكثار من الهوامش.