أدى إلى خلق مناخ صحي وهيأ الجو لأبناء البلاد المفتوحة للإقبال على اعتناق الإسلام [1] . بل أدى إلى تناسق في السلوك الأخلاقي وفي العادات والتقاليد في جميع البلاد المفتوحة وأصبح هناك عالم إسلامي واحد.
يقول الأستاذ جاك- ريسلر [2] -: «في عصر الأمويين، في القرنين السابع والثامن الميلاديين- الأول والثاني الهجريين- وعلى الرغم من تنوع الأجناس والشعوب التي تشكل الإسلام، كان المسلمون، يبينون سلفا عن خصائص متشابهة، وعلى الرغم من كل ما يمكن أن يفرق بين حضر وبدو، أغنياء وفقراء، كانوا يسلكون تقريبا مسلكا واحدا، ذلك أن أية عقيدة تقوم على أسس ثابتة، وتحدث ردود فعل مماثلة عند أقوام متفاوتة. وقد وضع القرآن قواعد التصرفات اليومية للناس، وخلق الجو المعنوي للحياة، حتى تغلغل شيئا فشيئا في الأفكار، فانتهى بتشكيل متناسق للعقليات والأخلاق، كما كان تأثير الدين عظيما بسبب انتشار اللغة وبسبب نتائج السياسة الخارجية المشتركة وكذلك بسبب نظام اجتماعي معمم» ا. هـ.
هذا ما يمكن أن يقال بإيجار شديد عن الدولة الأموية في الشرق كتوطئة أو تمهيد لمعرفة الدور العظيم الذي قام به الفرع الأموي الذي أقام الدولة الأموية في أسبانيا- الأندلس أو شبه جزيرة إيبيريا- في النهضة الحضارية الهائلة التي قامت على تلك الأرض، ثم أفاضت على بقية دول أوربا وكانت من أهم روافد الحضارة التي قامت عليها النهضة الأوربية نهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة.
* الأمويون والحضارة الإنسانية:
يعرف مؤرخو الحضارة العربية الإسلامية جهود العباسيين في ترجمة التراث العلمي العظيم الذي خلفه الأقدمون في كل اللغات التي كتب بها ذلك التراث، مثل اللغة الهندية والفارسية والسريانية والعبرية واليونانية واللاتينية ... إلخ يعرف مؤرخو الحضارة العربية الإسلامية ذلك الجهد العظيم للعباسيين ويشيدون به؛ لأنه إنقاذ للحضارة الإنسانية وحفظ لها من الضياع، فلولا ترجمة هذا التراث إلى اللغة العربية لضاع على الإنسانية كنز حضاري لا يعوض، واختفت علوم كثيرة مثل [1] يراجع في ذلك كتاب توماس أرنولد- الدعوة إلى السلام، ترجمة د/ حسن إبراهيم حسن وآخرين، طبعة دار النهضة المصرية (1970 م) ، فهو أوفى المراجع العلمية في هذا الموضوع. [2] الحضارة العربية (ص 50) ترجمة غنيم عبدون- الدار المصرية- للتأليف والترجمة.