واحد من أبناء الطرف الغربي وهو العلامة المستشرق الفرنسي جوستاف لوبون الذي يوضح الفرق بين الأندلس- أسبانيا- قبل وبعد الفتح الإسلامي فيقول [1] : «كانت أسبانيا النصرانية ذات رخاء قليل وثقافة لا تلائم غير الأجلاف في زمن ملوك القوط، ولم يكد العرب يتمّون فتح أسبانيا حتى بدؤوا يقومون برسالة الحضارة فيها، فاستطاعوا في أقل من قرن أن يحيوا ميت الأرضين، ويعمروا خراب المدن، ويقيموا أفخم المباني، ويوطدوا وثيق الصلات التجارية بالأمم الآخرى، ثم شرعوا يتفرغون لدراسة العلوم والآداب، ويترجمون كتب اليونان واللاتين وينشؤون الجامعات، التي ظلت وحدها ملجأ للثقافة في أوربة زمنا طويلا، وأخذت حضارة العرب تنهض منذ ارتقاء عبد الرحمن الداخل- (138- 172 هـ/ 756- 788 م) - إلى العرش على الخصوص، أي منذ انفصال أسبانيا ... في سنة (138- 756 م) فغدت قرطبة بالحقيقة أرقى مدن العالم القديم مدة ثلاثة قرون ... وكانت دارا للعلوم والفنون والصناعة والتجارة، وتستطيع أن تقابلها بعواصم دول أوربة العظمى الحديثة» ا. هـ.
هناك عشرات الشهادات لباحثين غربيين يعترفون بفضل العرب والإسلام وحضارته لا على أوربا وحدها، بل على العالم بأسره ويكفي أن يقرأ الإنسان كتاب جوستاف لوبون «حضارة العرب» أو كتاب آدم متز «الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري» ، أو كتاب توماس أرنولد «الدعوة إلى السلام» أو كتاب سيجريد هونكه «شمس العرب تسطع على الغرب» ليعرف الحقيقة الساطعة، والخلاصة أن الأمويين لم يكونوا فاتحين ورجال إدارة وسياسة بارعين فحسب، بل كانوا صناع حضارة بكل ما تعني الكلمة، كما أن عصرهم هو العصر الوحيد في التاريخ الإسلامي كله الذي كانت كلمة الدولة الإسلامية والعالم الإسلامي تؤدي معنى واحدا، أو بمعنى آخر كان العالم الإسلامي كله من حدود الصين إلى أسبانيا دولة واحدة يرأسها رجل واحد يحكمها من عاصمة واحدة- هي دمشق- جيش واحد وسياسة واحدة. وقانون واحد- مع مراعاة خصوصيات الشعوب المفتوحة مراعاة كاملة- بل على الرغم من قصر مدة حكم الدولة الأموية نسبيّا- أقل من قرن- إلا أن التسامح وحسن السياسة، والمعاملة الطيبة لأبناء الشعوب المفتوحة، وإشراكهم في حكم بلادهم ورعاية العهود والمواثيق معهم رعاية كاملة، والوفاء بها، كل ذلك [1] حضارة العرب- ترجمة عادل زعيتر- نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة سنة (2000 م) ، (ص 273- 275) .