ما وراء النهر، والذي لم يسبق له مثيل في تاريخها، بل ولا في تاريخ غيرها، فلم يحدث أن غيرت أمم بأكملها عقائدها وتحولت إلى دين جديد كما تحول سكان ما وراء النهر، تاركين عقائدهم القديمة، وقد تم ذلك التحول بحرية كاملة ويؤيد الباحث الروسي بارتولد ما يراه فامبري حيث يقول عن الموضوع: «ولكن الانضمام إلى عالم الإسلام المتمدين لم يكن ممكنا لهؤلاء البدو إلا إذا دخلوا في الإسلام من حيث هو دين، ومن العوامل التي ساعدت على انتشار الإسلام بين الترك، خاصة امتاز بها الإسلام على سائر الأديان العالمية، فعلى الرغم من أن أتباع البوذية وأتباع المسيحية أكثر عددا من المسلمين، فإن الإسلام دين عالمي بمعنى الكلمة، أي: إنه ليس مقصورا على جنس أو قومية، ولئن كانت بعض الديانات قد بذّت الإسلام في هذه الناحية فإن توفيقها كان مؤقتا، ولم تستطع الحصول على نتائج دائمة كالتي أحرزها الإسلام، فالديانة المانوية مثلا كانت في وقت ما دينا عالميّا وكان أتباعها متشرين في أماكن تمتد من جنوب فرنسا إلى الصين، ولكن هذه الخاصية لم تمنع المانوية من الاضمحلال الكامل، وقد بدأت البوذية نشاطها في الغرب فانتشرت هنالك، ولكنها في نهاية الأمر ظلت دينا للشعوب المتحضرة في شرق آسيا فقط. ثم يمضي بارتولد في سوق الأدلة والأمثلة على تفوق الإسلام على كل الأديان فيقول: وفي التاريخ أمثلة كثيرة كثيرة لأمم بوذية ومسيحية، تركت ديانتها ودخلت في الإسلام، ولكننا لا نجد أمة إسلامية واحدة تخلّت عن دينها ودخلت في البوذية أو المسيحية [1] .
على كل حال واجه الأمويون الأواخر مشاكل جمّة في بلاد ما وراء النهر، كان أبرزها طموحات الأمراء الأتراك الذين أبقاهم الأمويون يحكمون بلادهم تحت السيادة الإسلامية، وكان معظم هؤلاء تربطهم بالدولة الأموية معاهدات نظمت العلاقات بين الطرفين، وبصفة خاصة التعاون العسكري والمالي، ولكن هؤلاء الأمراء كانوا يحاولون القفز فوق تلك المعاهدات مستغلين فترات الضعف والاضطراب التي كانت تمر بها الدولة الأموية في آخر أيامها التي امتلأت بحوادث الصراع بين الأمراء الأتراك الثائرين والعمال الأمويين، ومن أمثلة ذلك ثورة أمير فرغانة- بعد وفاة قتيبة- ومحاولة استرداد نفوذه القديم وثورات بخارى وسمرقند، لكن الدولة الأموية لم تتهاون في مواجهة تلك الثورات وقمعها، ونجحت في إخضاع أغلب الأمراء، الذين بدؤوا يدخلون في الإسلام خاصة في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز- الذي دعاهم [1] بارتولد- تاريخ الترك في آسيا الوسطى (ص 70، 71) .