وتمسكا به، فمنذ أن أدخل قتيبة بن مسلم الباهلي الإسلام في هذه البلاد، وهو صامد وثابت كالجبل الأشم، رغم المحن والخطوب الهائلة التي تعرض لها عبر تاريخه الطويل هناك، والتي كان آخرها محنة السيطرة الشيوعية- والتي استمرت نحو ثلاثة أرباع القرن- والتي بذلت كل جهودها وأساليبها الوحشية والهمجية في القمع والتنكيل بالمسلمين لزعزعة الإسلام، وهز مكانته بل محوه من البلاد ولكنها- بحمد الله وفضله- فشلت، وذهبت الشيوعية إلى سلة قمامة التاريخ، وبقي الإسلام وسيبقى بإذن الله تعالى إلى قيام الساعة وصدق الله العظيم حيث يقول: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد: 17] . ولقد عبر أحد علماء المسلمين من تلك البلاد- والذي حضر احتفال مصر بليلة القدر ويوم الدعاة في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان سنة (1412 هـ) - عن فرحتهم بزوال الكابوس الشيوعي بقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [فاطر: 34] .
نعود إلى جهود الأمويين التي بذلوها للتمكين للإسلام في تلك البلاد- والتي لم تأخذ حقها من الدراسة والتنويه حتى الآن- فقد واجهوا الموقف بكل تعقيداته ومشاكله برجولة وإقدام، ولعل تذكّر طبيعة تلك البلاد وما كانت عليه أحوالها السياسية والاجتماعية يرينا إلى أي مدى كان الموقف صعبا، ولقد قاومت تلك البلاد الفاتحين المسلمين بضراوة، وكانت تلك المقاومة نابعة من عدم فهمهم لطبيعة الإسلام وما يحمله لهم من خير وسعادة وعزة وكرامة.
ولكنهم بعد أن عرفوا قيمة الإسلام وأهدافه غيروا موقفهم من العداء الشديد إلى الحماس الشديد للإسلام، ومن خير ما يصور هذا التغيير ما يقرره المؤرخ والمستشرق المجري أرمينيوس فامبري في كتابه «تاريخ بخارى» ؛ حيث يقول: «إن بخارى التي قاومت العرب في البداية مقاومة عنيفة، قد فتحت لهم أبوابها لتستقبلهم ومعهم تعاليم نبيهم، تلك التعاليم التي قوبلت في البداية بمعارضة شديدة، ثم أقبل القوم من بعد عليها في غيرة شديدة، حتى لترى الإسلام- الذي أخذ شأنه اليوم يضعف في جبهات آسيا الآخرى- وقد غدا في بخارى اليوم- (1873 م) - على الصورة التي كان عليها أيام الخلفاء الراشدين» [1] .
هذه شهادة مؤرخ باحث أوربي على التحول الهائل الذي أحدثه الإسلام في بلاد [1] تاريخ بخارى (ص 67) .