السيادة الإسلامية على كل ما وراء نهر جيحون، وتوج ذلك بفتح مدينة سمرقند أعظم مدائن الإقليم، وكان طرخون ملك الصغد قد أرسل إلى قتيبة بعد انتصاره في معركة بخارى سنة (90 هـ) يطلب الصلح فأجابه وصالحه ورجع إلى مرو [1] .
لكن الملك نقض الصلح- الذي كان هو الداعي إليه- وامتنع عن دفع الجزية التي كان قد التزم بها، مما جعل قتيبة يغضب، ويقرر أن يضع حدّا لهذا العبث، وأن يلقّن هذا الملك الغادر درسا لن ينساه وليكون عبرة لغيره، فجهّز أخاه عبد الرحمن بن مسلم في عشرين ألف مقاتل وسيره أمامه، ثم تبعه هو في أهل خوارزم وبخارى، وضرب الحصار على المدينة وقال: «إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» ؛ تيمّنا بقول النبي صلّى الله عليه وسلم عند ما حاصر خيبر.
فلما رأى أهل سمرقند عزمه على فتح المدينة بالقوة كتبوا إلى ملوك الشاش وفرغانة يستغيثون بهم، وقالوا لهم محرضين: إن العرب إذا ظفروا بنا عادوا عليكم بمثل ما أتونا به، فانظروا لأنفسكم [2] ، فاستجاب هؤلاء الملوك، واختاروا عددا من أهل النجدة والبأس من أبناء المرازبة والأساورة والأبطال، ووضعوا إليهم خطة لمفاجأة معسكر المسلمين- أثناء انشغالهم بحصار سمرقند- ولكن قتيبة لم يكن بالقائد الذي يؤخذ على غرة، ولم يغب عن فكره حدوث مثل هذه المفاجات، فعلم بخبر هذا التجمع، وفاجأهم قبل أن يفاجئوه، بفرقة من جيشه بقيادة أخيه صالح ابن مسلم، فهزمهم وبدد شملهم وقتلهم ولم يفلت منهم إلا الشريد [3] ، وغنم المسلمون أمتعتهم وأسلحتهم، وتدهورت معنويات الصغد بعد أن رأوا هزيمة أهل فرغانة والشاش، وهذا النصر قوى من عزيمة المسلمين ورفع معنوياتهم، وقرر قتيبة تشديد الحصار على سمرقند، ونصب عليها المنجنيق، وأحدث بها ثلمة وصاح كالأسد الهصور: حتى متى يا سمرقند يعشش فيك الشيطان؟ إني والله لئن أصبحت لأحاولن من أهلك أقصى غاية، فلما أصبح أمر الناس بالجد في القتال، فقاتلوهم واشتد القتال، ولما رأى أهلها أن هزيمتهم أصبحت حتمية طلبوا الصلح، فصالحهم قتيبة على ألفي ألف مثقال ومائتي ألف كل عام، وأن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف رأس، وأن يخلوا المدينة فلا يكون لهم فيها مقاتل، فيدخلها ويا بني فيها [1] الطبري (6/ 445) . [2] المصدر السابق (6/ 473) . [3] الطبري المصدر السابق (6/ 474) .