وأسرا كيف شاؤوا، واعتصم من دخل المدينة بالمدينة- وهو قليل- فوضع قتيبة الفعلة في أصلها ليهدمها، فسألوه الصلح فصالحهم واستعمل عليها رجلا من بني قتيبة [1] .
هذا هو تلخيص الطبري لمعركة الاستيلاء على مدينة بيكند، التي لم يلبث أهلها أن نقضوا الصلح، وقتيبة منهم على خمسة فراسخ، مما اضطره أن يرجع إليهم وأن يقتل من كان بها، وأن يغنم غنائم كثيرة، قوي بها أمر المسلمين واشتروا السلاح والخيل وتنافسوا في حسن الهيئة- على حد تعبير الطبري- [2] ثم عاد قتيبة إلى مرو ليستريح ليبدأ مرحلة جديدة من جهاده، فواصل حملاته على إقليم بخارى، ففي سنة (88 هـ) ترك أخاه بشارا على مرو، وعبر هو النهر ففتح نو مشكت ودامثنة- من أعمال بخارى- صلحا، بناء على طلب ورغبة أهلها [3] .
ولكنهم لم يكونوا صادقين في طلب الصلح، بل كانت قلوبهم تنطوي على الخديعة والمكر، فقد فاجؤوا قتيبة بتجمع هائل من الأمم المجاورة- فرغانة والصغد- يقوده ابن أخت ملك الصين، مما يدل على أن الأمم في تلك البلاد قد تداعت وتحالفت على المسلمين وأن الصين قد ألقت بثقلها في المعركة لكن الله نصر جنده- على حد تعبير الطبري- [4] .
وفي العام التالي (89 هـ) استأنف قتيبة غزوه، الذي كان يقوم به في فصل الصيف- لقسوة الشتاء في تلك البلاد- وهذه السنة قصد بخارى، بناء على تعليمات وأوامر من الحجاج، فلقيه في طريقه جمع من أهل كش ونسف فظفر بهم، ومضى إلى بخارى فتصدى له ملكها- وردان خداه- فلم يستطع الاستيلاء عليها، فرجع إلى مرو، وكتب إلى الحجاج بخبره، فطلب منه أن يصورها له، فبعث إليه بصورتها، فنصحه وأمره وعرّفه الموضع الذي يأتيها منه، فسار إليها ثانية سنة (90 هـ) ، وفتحها بعد معركة انتصر فيها على جمع كبير من الصغد والترك الذين كان ملكها قد استعان بهم، وبهذا توج قتيبة أعماله في هذه المرحلة بفتح بخاري التي سيكون لها في تاريخ الإسلام والمسلمين شأن عظيم.
المرحلة الثالثة (90- 93 هـ) :
في هذه المرحلة التي استغرقت ثلاث سنوات كسابقتها استطاع قتيبة أن يبسط [1] الطبري (6/ 430) وابن الأثير- الكامل في التاريخ (4/ 528) . [2] المصدر السابق (6/ 432) . [3] الطبري (6/ 436) . [4] المصدر السابق (6/ 436) .