[1]- محمد بن مسلم بن شهاب الزهري [1] :
ينتسب الزهري إلى بني زهرة، وهم أخوال النبي صلّى الله عليه وسلم، وهو من كبار التابعين وأعلامهم، ويعتبر من أعظم مؤرخي المغازي والسير، وإليه يرجع الفضل في تأسيس مدرسة المدينة التاريخية، إلى جانب كونه من كبار الفقهاء والمحدثين. وقد رأى الزهري عشرة من الصحابة، وتتلمذ على كبار علماء التابعين وأعلامهم، ومنهم سعيد ابن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة؛ وهؤلاء هم الذين كان الزهري يعتبرهم بحور قريش في العلم.
وروى عن الزهري جماعة من العلماء الأئمة الأعلام، يأتي في مقدمتهم فقيه المدينة وعالمها الأشهر- الذي قيل عنه: لا يفتى ومالك في المدينة- مالك بن أنس الأصبحي، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وقد ذاع صيت الزهري، وأصبحت له مكانة علمية رفيعة في أوساط العلماء، فقد سئل مكحول الدمشقي:
من أعلم من رأيت؟ فقال: ابن شهاب، قيل له: ثم من؟ قال: ابن شهاب، قيل له: ثم من؟ قال: ابن شهاب كان قد حفظ علم الفقهاء السبعة- يقصد فقهاء المدينة المشهورين- وكتب عمر بن عبد العزيز- وهو خليفة- إلى سائر الأقاليم:
«عليكم بابن شهاب، فإنكم لا تجدون أحدا أعلم بالسنة الماضية منه» [2] . فعمر بن عبد العزيز- وهو من هو- لا يقول مثل ذلك الكلام عن ابن شهاب إلا إذا كان الرجل فعلا يستحق هذا الثناء من الخليفة العالم، بما بلغ من مكانة علمية. والحق أن ابن شهاب كان موضع احترام وإجلال خلفاء بني أمية؛ لأنه إلى جانب تبحره في العلوم، كان يحترم نفسه، ولم يداهن في الحق [3] .
وقد امتاز محمد بن شهاب الزهري عن معاصريه بكثرة الكتابة والتدوين واقتناء الكتب. وكان إذا جلس في بيته بين كتبه اشتغل بها عن كل شيء سواها من أمور الدنيا، حتى يروى أن امرأته كانت تقول له: «إن هذه الكتب أشدّ عليّ من ثلاث ضرائر» [4] ؛ لاشتغاله بها عنها. [1] انظر ترجمة الزهري في وفيات الأعيان لابن خلكان (4/ 177) وما بعدها، وفي تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني (9/ 448) وما بعدها. [2] انظر وفيات الأعيان (4/ 177) . [3] انظر المغازي الأولى ومؤلفوها (ص 58) . [4] انظر وفيات الأعيان (4/ 177) .