عقائدهم والمحافظة على أرواحهم وأحوالهم، كما تجمعت لدى عمر أخبار ومعلومات وفيرة عن اجتماع الفرس حول يزدجرد الثالث في نهاوند [1] وهم يعدون العدة لمهاجمة المسلمين، فلم يكن أمام عمر من بد سوى أخذ زمام المبادرة فأرسل إلى نهاوند جيشا بقيادة النعمان بن مقرن الذي مزّق جيش الفرس تمزيقا في معركة سماها المؤرخون فتح الفتوح [2] . وقال عنها الطبري: «لم تقم للفرس بعدها قائمة ولم تجتمع لهم كلمة» . فر يزدجرد الثالث بعد اندحار جيشه في نهاوند، وأمر عمر ابن الخطاب الجيوش الإسلامية بالانسياح في بلاد فارس فاستسلمت جميعها دون مقاومة تذكر؛ لأن روح الفرس المعنوية قد تدهورت ووصلت إلى الحضيض، وفي خلال عام واحد وهو العام الأخير من خلافة عمر بن الخطاب كانت كل مملكة آل ساسان في قبضة المسلمين، وتحت سيادتهم.
* ردة الفرس بعد وفاة عمر بن الخطاب:
في نهاية عام (23) اغتالت يد مجوسي غادر وحاقد- وهو أبو لؤلؤة فيروز- أعدل الحكام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهدأت حركة الفتوحات على كل الجبهات تقريبا. بل إن بعض البلاد التي لم تكن قد فهمت طبيعة الإسلام، وما يحمله لها من خير وعزة وكرامة- قد حاولت التمرد والردة والثورة على الحكم الإسلامي، وكانت بلاد فارس في طليعة البلاد التي عمتها حركات الارتداد والثورة، وحدث فيها ما يشبه حركة الردة بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلم، فقد ظن الفرس أن غياب عمر- لا تنس أن الذي اغتال عمر رجل فارسي- وهو المحرك الرئيسي للفتوحات قد يوفر لهم فرصة لطرد المسلمين من بلادهم، ولكن حساباتهم كانت خاطئة- كالعادة- فإذا كان عمر هو المحرك الرئيسي للفتوحات- ولا ينكر دوره وفضله- فإن من شغل مكان القيادة في الأمة الإسلامية- وهو عثمان بن عفّان رضي الله عنه- أثبت أنه على مستوى المسؤولية، فلم يفرط في الإنجاز العظيم الذي حققه عمر، وكلف ولاته على البصرة- أبو موسى الأشعري وعبد الله بن عامر- وعلى الكوفة- سعد بن أبي وقاص والوليد بن عقبة- على التتابع بالتصدي لحركات التمرد الفارسي وقمعها، وقد قام هؤلاء الرجال بالمهمة خير قيام، وتمّ إخضاع جميع الأقاليم مرة [1] انظر البلاذري- فتوح البلدان (ص 371) . [2] انظر تفاصيل ما دار في نهاوند وما سبقها وما لحقها في الطبري (4/ 116) ، وما بعدها.