حكومة الخلافة في المدينة المنورة، مما أدى إلى الاشتباك العسكري بين المجاهدين المسلمين الذين كانوا يلاحقون المرتدين على ساحل الخليج العربي شمالا بقيادة المثنى ابن حارثة الشيباني، وبين الفرس؛ ذلك الاشتباك الذي تطور ليصبح صداما شاملا لم يتوقف إلا بعد فتح إيران كلها وإدخالها تحت السيادة الإسلامية، ولا يستطيع منصف أن يلوم المسلمين على ذلك، فلم يكونوا البادئين بالعدوان، فبعد الاشتباكات الأولى أدرك المثنى أن الفرس ألقوا بكل ثقلهم في المعارك- دون أن يكونوا مقصودين، فلم يكن يدور بفكر المثنى أن يحارب دولة كبيرة كفارس- بما معه من قوات صغيرة- فطلب مددا من المدينة لصدّ عدوانهم، وأدرك الخليفة الأول، أبو بكر الصديق رضي الله عنه- ببصيرته النافذة- دقة الموقف، فدفع إلى الجبهة بأعظم وأمهر قواده خالد بن الوليد، ليلقن الفرس درسا لم يلقنهم إياه أحد من قبل، وفي شهور قليلة من عام (12 هـ) فتح القائد المظفر نصف العراق الجنوبي وسحق ما به من قوات الفرس سحقا، واستقر في الحيرة عاصمة المناذرة، بناء على تعليمات الخليفة، وانتظارا لأوامره، وبعد قليل تطورت الأمور على الجبهة الغربية- بين المسلمين والروم- مما اضطر الخليفة أن يأمر خالدا بالتحرك ببعض القوات العاملة معه في العراق إلى الشام لكسر شوكة الروم، ولينسيهم وساوس الشيطان- على حد قول أبي بكر الصديق- فجاء خالد وحطم جيش الروم تحطيما- كما هو معروف- في معركة اليرموك سنة (13 هـ) وبضربة واحدة فتح الطريق أمام المسلمين لفتح الشام ومصر وما تلاها غربا مما لا مجال لذكره هنا، فهدفنا هنا الحديث عن فتح فارس الذي مهّد لفتح بلاد ما وراء النهر.
بعد تحرك خالد من العراق إلى الشام، ومعاركه الخالدة هناك، كان أبو بكر قد توفي سنة (13 هـ) وتولى الخلافة الفاروق عمر بن الخطاب فرمى الجبهة الفارسية ببطل آخر من أبطال الفتح الإسلامي العظماء، الأسد في عرينه- سعد بن أبي وقاص- الذي وصل إلى القادسية وأرسل وفدا إلى بلاط فارس في المدائن يعرض عليهم الإسلام وإذا أبوا فالجزية، وإذا أبوا فالقتال لإزاحتهم من طريق الدعوة ولكنهم أبوا إلا القتال، فكان لهم ما أرادوا، واشتبك الجيشان في القادسية وانتصر جند الله انتصارا عظيما، وهزم الجيش الفارسي هزيمة منكرة [1] وسقط قائده رستم- أعظم قادة الفرس- صريعا في المعركة، وتابع الفاتح الكبير بطل القادسية سعد بن [1] انظر البلاذري- فتوح البلدان (ص 315) .