المصرية فلن تقوم لمشروعه قائمة، وكان على يقين في الوقت نفسه أن هذه الخبرات ستكون في متناول يده؛ لأن الهدف الذي يسعى لتحقيقه يهم الدولة الإسلامية التي كان يحكمها آنئذ خليفة من فحول الخلفاء وأفذاذهم على مدى التاريخ الإسلامي كله؛ وهو عبد الملك بن مروان، الذي لم يتردد في تلبية كل ما طلبه حسان بن النعمان لإقامة ترسانة بحرية عظيمة في تونس. ولإحساس حسان بأهمية الأمر فقد أرسل أربعين رجلا من أشراف العرب إلى الخليفة يشرحون له حقائق الموقف، وأهمية المشروع الذي ينوي حسان القيام به، ومدى حاجته إلى المهندسين والعمال المصريين لبدء العمل.
وبعد أن سمع عبد الملك بن مروان من وفد حسان أصدر تعليماته على الفور إلى أخيه عبد العزيز بن مروان أمير مصر بأن يوجه دون إبطاء ألف رجل من المهندسين والبحارة والعمال المهرة المصريين بأسرهم للعمل في دار الصناعة في تونس، وتحت إدارة أميرها حسان بن النعمان، وكانت تعليمات الخليفة لأخيه الأمير أن يوفر لكل هؤلاء كل ما يحتاجون إليه في عملهم وفي معاشهم وأن يحسن عونهم، وهذا العدد- ألف رجل بأسرهم- هو أكبر عدد نقرأ أنه خرج من مصر إلى مثل هذا العمل في مكان آخر [1] .
وكتب عبد الملك بن مروان إلى حسان بن النعمان بأن يحسن استقبالهم ومعاملتهم، وأن يوفر لهم الراحة الكافية، ليتفرغوا تفرغا كاملا لعملهم وإتقانه على أحسن وجه. وأن تكون دار الصناعة المزمع إقامتها قوة وعدة للمسلمين إلى آخر الدهر، وأن يصنع بها المراكب للجهاد ضد الروم في البر والبحر؛ لإشغالهم عن مهاجمة القيروان وغيرها من شواطئ المسلمين.
وقد أحسن حسان بن النعمان استقبال المصريين، ووفر لهم كل ما يلزمهم لعملهم ومعاشهم.
وبعد أن ترك حسان بن النعمان الميدان لغيره، ليواصل مسيرته في الإعمار وتنظيم البلاد، وتقوية دفاعاتها، واصل خلفاؤه رعايتهم وعنايتهم بدار الصناعة في تونس، وإمدادها بكل ما تحتاج من عمال وبحارة، حتى أصبحت مركزا بحريّا مهمّا على [1] تاريخ البحرية المصرية (ص 365) ، د. إبراهيم العدوي- الأساطيل العربية (ص 141، 142) .