عنها منذ أن فتحها العرب، ولم يفقدوا الأمل في استعادتها منهم، كما نجحوا في استعادتها من الفرس من قبل. ومما زاد من عناية العرب الفاتحين بالإسكندرية تعرضها لهجوم بحري بيزنطي خطير بعد فتحها، مما يدل على إصرار البيزنطيين على استردادها. ففي سنة (25 هـ/ 645 م) هاجم أسطول بيزنطي ضخم مدينة الإسكندرية واستطاع أن يستولي عليها بمساعدة من بقي فيها من الروم، الذين أبقاهم المسلمون ومنحوهم الحرية والأمان، ولكنهم لم يحفطوا هذا كله، بل غدروا وتعاونوا مع الأسطول البيزنطي، وسهلوا له الاستيلاء على الإسكندرية، ولم يقنع قائد الأسطول البيزنطي مانويل بالاستيلاء على الإسكندرية، بل سار بقواته جنوبا إلى حصن بابليون لاستعادة مصر كلها. الأمر الذي جعل الخليفة عثمان بن عفان يعهد إلى عمرو بن العاص- فاتح مصر والذي كان قد طلب إعفاءه من ولايتها- بمهمة طرد الروم منها ثانية.
ولم يتردد القائد الكبير والفاتح العظيم في القيام بواجبه، وقد نجح في طرد الروم من مصر كلها مرة أخرى وإلى الأبد [1] .
هذه الحادثة قوت عزيمة المسلمين وأقنعتهم بضرورة الإسراع في بناء قوتهم البحرية الذاتية، وأكدت أن معاوية بن أبي سفيان كان على حق، وكان رجلا بعيد النظر حين فكّر في بناء الأساطيل البحرية الإسلامية، وإصراره على تنفيذ مشروعه، مهما كانت العقبات والمعارضات.
كانت الإسكندرية إذن من أوائل الموانئ المصرية التي أحيا فيها العرب الفاتحون صناعة بناء السفن، ولم تصبح مركزا من أهم مراكز صناعة السفن الحربية فحسب، بل أصبحت قاعدة لانطلاق الأساطيل المصرية في العصر الإسلامي لغزو بلاد الروم نفسها. ولم تكن تمد الأسطول المصري وحده بالسفن اللازمة، بل كانت تبني فيها السفن اللازمة للأسطول الشامي، بناء على طلب معاوية بن أبي سفيان [2] الذي أصبح خليفة منذ سنة (41 هـ/ 660 م) وأصبح صاحب القرار، وليس في حاجة إلى استئذان أحد، ومن هنا كانت انطلاقة المسلمين البحرية.
ويتضح من أوراق البردي العربية، والتي اكتشفت بالصدفة في كوم شقاو- أفروديتو- من أعمال محافظة أسيوط، يتضح من هذه الأوراق أن الإسكندرية [1] ابن عبد الحكم- فتوح مصر (ص 117، 118) . [2] تاريخ البحرية المصرية- تأليف لفيف من أساتذة جامعة الإسكندرية (ص 342) .