صناعته، واستخدموا من النواتية في حاجاتهم البحرية أمما، وتكررت ممارستهم البحر وثقافته، واستخدموا بصراء بها، فتاقت نفوسهم إلى الجهاد فيه، وأنشؤوا فيه السفن والشواني، وشحنوا الأساطيل بالرجال والسلاح، وأمطوها العساكر المقاتلة لمن وراء البحر من أمم الكفر، واختصوا بذلك من ممالكهم وثغورهم ما كان أقرب إلى هذا البحر وعلى حافته» [1] .
كانت مصر أول بلد استفاد العرب الفاتحون من خبرته في بناء أساطيلهم البحرية [2] ولم يدخر أبناء مصر- من أسلم منهم ومن بقي على مسيحيته- وسعا في تقديم خبرتهم للعرب الفاتحين، وفي التفاني في خدمتهم لما رأوه منهم من تسامح وحسن معاملة.
* دار الصناعة في الإسكندرية:
كانت الإسكندرية عاصمة مصر منذ أنشأها الإسكندر الأكبر المقدوني (سنة 332 ق. م) إلى الفتح الإسلامي لمصر. وكانت من أكبر دور صناعة السفن لا الحربية فقط، بل التجارية أيضا؛ لأنها كانت من أكبر أسواق العالم، وأكثر ثغوره ازدحاما وحركة في تجارة القمح والكتان والورق والزجاج، وغير ذلك من منتجات البلاد الزراعية والصناعية. وكان تصدير هذه المنتجات يحتاج إلى أسطول من المراكب التجارية لنقلها إلى شتى موانئ البحرين الأحمر والأبيض المتوسط. وإلى جانب المراكب التجارية كانت مصر تصنع السفن الحربية للدولة البيزنطية، التي كان بعضها يسع ألف رجل، وهي السفن التي كانت تشبه ما يطلق عليه البوارج في العصر الحاضر، وهناك سفن كان حجمها أصغر، تسع الواحدة منها مائة رجل، ويمكن تسمية ذلك النوع الصغير بالطرادات [3] .
كان من الطبيعي وقد انعقد عزم العرب على بناء أساطيلهم البحرية أن يهتموا بالقائم من دور الصناعة، وبصفة خاصة في مصر، وكان من الطبيعي أن تكون مدينة الإسكندرية من أوائل المدن البحرية التي يولونها عنايتهم، خصوصا وأنها معرضة أكثر من غيرها لهجمات الأساطيل البيزنطية، فالبيزنطيون لم يرفعوا عيونهم [1] مقدمة ابن خالدون (2/ 690) . تحقيق د. علي عبد الواحد وافي. [2] د. إبراهيم العدوي- الأساطيل العربية في البحر الأبيض المتوسط (ص 17، 18) . [3] د. سعاد ماهر- البحرية في مصر الإسلامية (ص 73، 74) .